أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأربعاء، بأول تعبئة في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، بعد “انتكاسات” كبيرة مُني بها الجيش الروسي في ساحة المعركة بأوكرانيا، وذلك في محاولة للتغلب على المد العسكري في صراع يعتبره فاصلاً بين الشرق والغرب.
وتصف روسيا رسمياً التعبئة حتى الآن بأنها “جزئية”، سيتم فيها استدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط على مدى أشهر، بدلاً من استدعاء كامل يعتمد على قوة احتياطية هائلة يبلغ قوامها 25 مليوناً، على حد قول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
تعبئة عسكرية روسية مقابل أخرى أوكرانية
وفقاً للتشريعات الروسية، يمكن من الناحية النظرية استدعاء من تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، سواء كانوا رجالاً أو نساء، ضمن قوات الاحتياط وفقاً لرتبهم.
وبحسب رويترز، قال محللون عسكريون غربيون إن روسيا تعاني نقصاً بالغاً في القوة البشرية بساحة المعركة في أوكرانيا بسبب تكبدها خسائر فادحة، ويدعو القوميون الروس منذ شهور إلى نوع من التعبئة لبث روح جديدة في حملة يصفونها بأنها متعثرة.
أما أوكرانيا، فقد أطلقت برنامج تعبئة قبل يومين من الغزو الروسي الذي بدأ في 24 فبراير/شباط، ثم أعلنت بعد ذلك بقليل الأحكام العرفية التي تمنع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً من مغادرة البلاد. وهي الآن في المرحلة الرابعة من التعبئة. وبحسب رويترز، فإن العدد الدقيق للجنود الذين تمت تعبئتهم من قوات الاحتياط في أوكرانيا سري، لكن التصريحات الرسمية تشير إلى أنه لا يقل عن 400 ألف جندي.
وتقول صحيفة washingtonpost الأمريكية إن التعبئة الجزئية مصطلح يشير إلى وقت استدعاء مجموعات معينة من الناس للخدمة في القوات المسلحة الروسية، وهو يختلف عن التعبئة العامة، التي تنطوي على التجنيد من عامة السكان، وإعادة تركيز الاقتصاد بأكمله، ووضع البلد بأكمله في طريق حرب، وإيقاف الوضع الطبيعي للحياة اليومية.
وفيما يلي العناصر الرئيسية لخطة التعبئة الروسية التي عرض موقع الكرملين الإلكتروني بعضها في مرسوم وقعه بوتين، فيما كشف بوتين نفسه أو وزير دفاعه عن أجزاء أخرى منها:
1- استدعاء فوري لعدد 300 ألف جندي من قوات الاحتياط الذين خدموا في السابق بالجيش الروسي ولديهم خبرة قتالية أو مهارات عسكرية متخصصة. ولن يشمل ذلك الطلاب أو المجندين الذين يخدمون لفترات إلزامية مدتها 12 شهراً في القوات المسلحة.
2- يتطلع الجيش الروسي إلى جنود من قوات الاحتياط شغلوا في الماضي وظائف محددة ومتخصصة في الجيش؛ مثل سائقي الدبابات وخبراء المفرقعات والقناصة. لكن القائمة الدقيقة للتخصصات التي يطلبها الجيش سرية لأنها ستكشف عن المجالات الروسية التي ينقصها أفراد.
3- قال منتقدون للخطة، بحسب تقرير لرويترز، إن صياغة مرسوم التعبئة والتفاصيل المتعلقة بمن سيشمله ومن يستبعده تُركت غامضة عن عمد فيما يبدو لمنح السلطات مساحة واسعة من الحرية عند تنفيذه.
ولم يرد ذكر رقم 300 ألف في المرسوم الذي تم نشره، لكنه جاء في مقابلة أجراها وزير الدفاع سيرجي شويجو مع التلفزيون الرسمي. وقال الكرملين إن جزءاً من المرسوم، الذي قال إنه أشار إلى تعبئة ما يصل إلى 300 ألف جندي على مراحل، لم يُنشر عن عمد. ولم يتضح ما إذا كانت تفاصيل أخرى قد حُجبت عن عمد أيضاً.
4- ستكون المهمة الرئيسية لجنود الاحتياط، وفقاً لشويجو، هي تعزيز خط الجبهة في أوكرانيا والذي يتجاوز طوله حالياً 1000 كيلومتر. وقال شويجو للتلفزيون الرسمي الروسي: “من الطبيعي أن يكون ما هو وراء هذا الخط بحاجة إلى تعزيز، يجب السيطرة على المنطقة”.
5- لا يمكن نشر جنود الاحتياط فعلياً في أوكرانيا على الفور، لأنهم بحاجة أولاً إلى تنشيط أو تدريب جديد والاطلاع على الطريقة التي تنفذ بها روسيا ما تصفه بأنه “عملية عسكرية خاصة”. ويتوقع محللون عسكريون غربيون ألا يروا تحركاً قبل أشهر.
6- الجنود “المحنّكون” الذين يخدمون حالياً في القوات المسلحة، ستُمدد عقودهم تلقائياً إلى أن تقرر السلطات إنهاء فترة التعبئة المؤقتة. وهذا يعني أنه أصبح من الصعب جداً أن يترك مثل هؤلاء الجنود الخدمة.
7- لا يمكن الخروج من الجيش أو من قوة الاحتياط، إلا لأسباب تتعلق بالسن أو الصحة، وهو ما تبت فيه لجنة طبية عسكرية، أو لمن صدر عليهم حكم قضائي بالسجن، ويمكن لمن يعملون في مجال الدفاع تأجيل الخدمة.
8- قبل يوم واحد من إعلان التعبئة، وافق البرلمان الروسي على مشروع قانون يُشدد العقوبات على جرائم مثل الهروب من الخدمة العسكرية أو إلحاق الضرر بممتلكات عسكرية أو العصيان إذا ارتكبت أثناء التعبئة العسكرية أو القتال.
وبحسب نسخة من مشروع القانون اطلعت عليها رويترز يصبح استسلام العسكريين الروس طوعاً جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة عشر سنوات.
9- سيحصل جنود الاحتياط على حوافز مالية، كما أن مستوى أجورهم سيتساوى مع أجور العسكريين العاملين بصفة دائمة في القوات المسلحة الروسية والذين يتقاضون رواتب أكبر بكثير من متوسط الرواتب في روسيا. وقد تجذب هذه الحوافز بعض سكان الأقاليم حيث تقل الأجور عادة عنها في المدن الكبرى.
10- يتساءل محللون عسكريون غربيون عما إذا كان لدى لروسيا معدات عسكرية كافية وعدد كاف من المدربين العسكريين ذوي الخبرة لتأهيل ونشر جنود الاحتياط بعد الخسائر التي تكبدتها في أوكرانيا. وتقول موسكو إن لديها هذا بالفعل.
11- يختلف المحللون العسكريون الغربيون حول ما إذا كانت التعبئة الجزئية صغيرة جداً ومتأخرة جداً بما لا يدع مجالاً لتغيير مسار الحرب لصالح موسكو، فمعظمهم يعتقد أن الأوان قد فات، لكن عدداً قليلاً يرى أن التعبئة يمكن أن تساعد روسيا في بعض النواحي لكن ليس بشكل فوري ولا قاطع.
ما ردود الفعل الداخلية على قرار التعبئة الروسي؟
أثار إعلان التعبئة الروسي، “فزع” بعض جنود الاحتياط المحتملين على ما يبدو، كما تقول رويترز، ووفقاً لبيانات مبيعات تذاكر الطيران، نفدت بسرعة أمس الأربعاء تذاكر الرحلات المغادرة لروسيا. ووردت تقارير إعلامية لم يتم التحقق منها عن إعادة حرس الحدود الروسي لبعض الرجال.
كما توقع السياسي المعارض المسجون أليكسي نافالني أمس الأربعاء أن يحاول كثيرون الإفلات من التعبئة. فيما دعا نشطاء من تحالف فيسنا (الربيع) المناهض للحرب المواطنين إلى الاحتجاج على إعلان التعبئة في وسط المدن والبلدات.
قال تحالف فيسنا في بيان إن التعبئة “تعني الإلقاء بآلاف الروس -من آبائنا وإخوتنا وأزواجنا- في مفرمة الحرب”. وأضاف: “الآن، تحل الحرب داخل كل بيت وكل أسرة”.
على إثر ذلك، اندلعت احتجاجات في مدن روسية، الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول 2022؛ رفضاً لقرار التعبئة الجزئية؛ حيث قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن الاحتجاجات ضد التعبئة هي الأكبر منذ تلك التي أعقبت بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
أشارت الوكالة إلى أن السلطات الروسية اعتقلت ألف شخص في أنحاء روسيا، فيما واجهت عناصر من الشرطة مزوَّدين بمعدات مكافحة الشغب، المتظاهرين الرافضين لقرار بوتين. من جانبها، قالت منظمة “أو.في.دي إنفو” المستقلة لرصد الاحتجاجات، إنها علمت بوقوع اعتقالات في 15 مدينة روسية مختلفة على الأقل.
Comments are closed.