بقلم: بكر أبوبكر
لايتورع المستوطنون في فلسطين عن الفتك بكل ما يمتّ للفلسطيني بصلة، ليس فقط بالاعتداء الجسدي الحاقد باليد والسلاح وتحت رعاية وحماية جيش الاحتلال، وإنما يتعداهٌ لكل ما يمكن أن يشكل مقومات للحياة، خاصة فيما يتعلق بالأشجار والمزروعات، والأرض والمركبات والبيوت والمدارس والمناطق الأثرية.
إن الملاحظات الجديدة على اعتداءات المستعمرين (المستوطنين) أنها أصبحت أكثر تنظيمًا بمعنى أنها تتخذ الشكل العصابي الإرهابي المنظم، والمدعوم من قبل أثرياء متطرفين، وبتدريب من الجيش نفسه أو أفراد منه، مع فتاوى حاخامية تبيح لهم الإرهاب ضد العرب والفلسطينيين.
وتميزت اعتداءات المستعمرين أيضًا بانتشار رقعتها الجغرافية على كامل مساحة فلسطين، وإمكانية تحرك هذه الجماعات بحرية لافتة من منطقة الى أخرى سواء في الضفة الغربية أوالقدس، أو الى الداخل أيضًا حيث تم إرهاب الفلسطينيين بالداخل، ما يؤكد الاستتاج الأول أنها اعتداءات منظمة وممولة ومدربة.
يفوق عدد مستعمري/مستوطني الضفة الغربية 824 ألف مستوطن، يعيشون في 198 مستوطنة، و220 بؤرة استيطانية (احصاء العام 2018م).
“أوتشا”، التابعة للأمم المتحدة في تقريرها لهذا العام 2022م، أشارت لاكثر من 3000 اعتداء من عصابات المستوطنين على الفلسطينيين بالعام الماضي، فهل لذلك ألا يكون حافزًا ومبررًا لانتفاضة عارمة جديدة ضدهم وضد مشغليهم؟
الى ما سبق تعيد أساليب عمل المستعمرين الإرهابيين اليوم الى الذهن ذات أفعال العصابات الصهيونية السابقة أجدادهم في “هاغاناه وشتيرن وأرغون/إيتسيل” إبان النكبة 1948م وما قبلها بكثير التي أنتجت الفظائع والمذابح المتتالية بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض، والتي جرى مؤخرًا الاعتراف بعدد غير معروف سابقًا منها، بعد طول صمت قبور.
إن مطالبات اليمين الصهيوني الحاكم بشرعنة الاستيطان والذي وصل لمطالبة الليكود بضم الضفة (مؤتمر عام 2017) يشكل داعمًا رئيسًا أيضًا لشراسة العصابات الإرهابية التي قد تنتقل للمذابح والطرد والسيطرة.
هذا عوضًا عن “تسامح” القضاء الاسرائيلي! بحق الإرهابيين المستعمرين (85% من القضايا ضد هجمات العصابات انتهت بلا شيء حسب منظمة “بتسيلم” ومؤسسة “يش دين” عام 2017 مثلًا.)
أكد مسؤول دائرة البحث الميداني في منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية (عام 2020م) أنه لا يوجد فرق كبير بين ما تقوم به عصابات المستوطنين حاليا وما كانت تقوم به عصابات الهاغاناه وغيرها سابقا.” وقال “إن أعمال المستوطنين حاليا هي أشد خطورة وأكثر عنفا ولا مبرر لها وإنما هي اعتداءات لغصب ونهب وسرقة الأرض وكل شيء فلسطيني، وإن المستوطنين يظنون دوما أن هذه البلاد هي لهم وإنها هي الأرض التي وعدهم بها ربهم كما يقولون (؟!) وبالتالي سيقومون بكل الطرق بمصادرتها والسيطرة عليها”.
بالإضافة للتمدد الجغرافي والعمل المنظم والاحترافي العُصابي للمستعمرين الإرهابيين فإن الدعم الإسرائيلي الحزبي والديني والرسمي يمدهم في غيهم ويستشرسون حيث يقول الباحث في “بتسيلم” أن السلطات الاسرائيلية ” لا تقوم بتطبيق القانون على المستوطنين ولم تمنع مشروع الاستيطان الإسرائيلي أساسا، وكل ما ينتج عن الاستيطان والمستوطنين هو مسؤولية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة”،مضيفًا: “أنه من المفروض أن يحاكم الإسرائيليون على سكوتهم أمام اعتداءات واستمرار نهب الأراضي وسرقة المياه والموارد الطبيعة جراء الاستيطان”.
الى ما سبق فإن امكانية أن ترتكب عصابات المستعمرين مذابح هي امكانية واردة لاسيما وهم مثقلون بأساطير وخرافات تبيح لهم كل شيء إرضاء لربهم المفتون بسفك الدماء؟! واقتداء بعصابات سبقتهم أدت مجازرها لقيام دولة الاحتلال. مع ملاحظة أن من أكثر الاعتداءات دموية في الأعوام الأخيرة، تمثلت بقيام المستوطنين بإحراق منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما بمحافظة نابلس، ما أى إلى استشهاد ثلاثة من أفرادها في تموز 2015، وحرق الطفل محمد حسين أبو خضير حيًا في القدس في تموز 2014.
ليست “شبيبة التلال”، هي العصابة الوحيدة وهي التي اخذت الإذن للعمل الإرهابي من “بنيامين نتنياهو”، بل وهناك العشرات من هذه العصابات، تلك المنتشرة سواء في القدس لغاية تدمير الأقصى وتهويد المدينة كليًا، أوفي أنحاء الضفة، بل وفي محيط غزة.
تدفع عوامل الكراهية والحقد والتحريض المتأتية من المدارس الدينية المتكاثرة بالقدس والمستوطنات، ومن حاخاماتها المتطرفين (أنظر كتاب: شريعة الملك أو توراة الملك، من تأليف الحاخامين المتطرفين يتسحاق شابيرا ويوسيف اليتسيور)،الى تأجيج مشاعر وأفعال عصابات المستعمرين وشراستهم حيث تُدخل في عقولهم أن أرض فلسطين أرضهم، وأنهم أمة أو “شعب” الرب الحصري وكأنه لم يخلق غيرهم! وما لهذا الإنغلاق الديني والتحريض العنصري من دافع إرهابي يمكن الشبيبة الإرهابية من الاستشراس وهي تلقى كل الدعم.
تطورت الهجمات الإرهابية للمستعمرين من الفردية الى الجماعية (قالوا أن حادثة الاعتداء على الأقصى عام 1969م ومذبحة الحرم الابراهيمي عام 1994 هي فردية) رغم محاولة اغتيال رؤساء البلديات عام 1980 ذات الطابع المنظم، ومع صعود عصابة نتنياهو المسماة “شبيبة التلال” عام 2008 وفتاوى كتاب “شريعة الملك” وغيره التي أجازت قتل العرب بما فيهم الأطفال، فلقد توسعت الاعتداءات على الأرض حجمًا ومساحة بل وفي عدد المرتكبين للاعتداءات الإرهابية، والى ذلك ما رافقه من دعم واضح من اليمين الصهيوني السياسي والعسكري والديني خاصة بعد سيطرته على الحكم.
والى ذلك بدأت القيادات الصهيونية البارزة تمارس الإرهاب بشخوصها مثل (يهودا غليك) و(موشيه فيجلين) والشهير حاليًا الإرهابي عضو الكنيست (بن كفير) (كانت أمه إرهابية في منظمة “إيتسل”، ومن شابه أمه بالإرهاب فما ظلم!).
إن شراسة عمل المستعمرين المسلحين حتى الأسنان عددًا ودعمًا ومساحةً وتنظيمًا وفتكًا وعنصرية تنذر بتصعيد واعتداءات أكثر شراسة ودموية وحرب شرسة قادمة، قد تؤدي ليس الى زوال الفلسطينيين، وإنما الى تشجيعهم ودفعهم أكثر على المقاومة الشعبية، ما لايدركه ناهبو الأرض وغرباؤها، والعنصريون الإرهابيون، ما كشف عالميًا حقيقة الوجه القبيح”للديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط!”
Comments are closed.