بقلم: مروان اِميل طوباسي
قبل البدء،من الواجب تحية وشكر بلدية برشلونة الإسبانية والمجموعات الشعبية التي ساعدت في الوصول لقرار تجميد العلاقات مع نظام “الأبارتهايد” الإسرائيلي وإلغاء اتفاقية التوأمة مع بلدية “تل أبيب”.
والآن، أن ما شاهدناه من تعاطي الغرب مع الكوارث المؤلمة وهي النقطة الأخلاقية الفاصلة بين الإنسانية وتوحش قوى الاستعمار، حيث الأحجام المتعمد عن تقديم المساعدات الإغاثية للدولة والشعب السوري الذي كان مُخجلا ومُعيبا في ظل الكارثة الانسانية التي وقعت وفق استمرار العقوبات والحصار الأميركي الغربي المفروض على سوريا الصامدة سندا لقانون قيصر الاميركي المتوحش وتطبيقاته الأوروبية المؤسفة حتى اللحظة الذي أوجع الشعوب وأضاف المآسي لها، والتي كان بالإمكان دون تطبيقاته حماية الكثير من الأرواح .
وفي هذا الظرف والسياق من سياسة العقوبات الجائرة ايضا، فقد أعلنت خلال الأيام الماضية العديد من اللجان الأولمبية في دول الاتحاد الاوروبي وفق مواقف حكوماتها والولايات المتحدة رفضها مشاركة كلّ من روسيا وبيلاروسيا من جديد في الرياضات الدولية والمنافسة تحديداً في الألعاب الأولمبية المقبلة في باريس صيف العام القادم ٢٠٢٤.
كما عبّرت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو اول من امس “عن معارضتها مشاركة الرياضيين الروس في الأولمبياد بظل استمرار الحرب على أوكرانيا.”
كما وان صحيفة “شارلي ايبدو” الفرنسية المتخصصة بالرسوم الساخرة التي تدافع عن الجرائم الإسرائيلية وتجرم كل من يواجه المنظومة الأطلسية الإسرائيلية المتوحشة وتحترف التضليل، كانت قد سخرت أمس الاول، من الكوارث الانسانية التي تواجهها شعوبنا العربية .
واذا كانت العملية العسكرية الروسية التي تستهدف حماية أمنها القومي الأستراتيجي وحدودها وأمن شعبها ومن أجل استئصال بؤر النازية الجديدة التي تدعمها مجموعات من المرتزقة ومنها الإسرائيلية المعادية لتطلعات الإنسانية جمعاء وتقدمها، هي انتهاك للقانون الدولي بحسب تعريفات “الناتو” ومن لف لفهم، أمراً يستدعي حظر الرياضيين الروس من المشاركة تحت علمهم بالأولمبياد القادم وبالفعاليات الرياضية الدولية ، فلماذا لم يتم حظر مشاركة لاعبين ورياضيين من دول الغرب الاستعماري واسرائيل عند احتلال دول وممارسة جرائم حرب بحق شعوب مختلفة ومنها شعبنا الفلسطيني؟
وقبل عام كان قرار عدد من الدول الأوروبية بتوجيهات أميركية بإغلاق وكالات الأنباء مثل”روسيا اليوم” و”سبوتنيك” وحظر استقبال بث برامجها، وكأنهم بذلك يُدخلون اوروبا في عصر مظلم جديد بتلك التوجهات، الأمر الذي يذكرنا بمرحلة المكارثية السوداء بالولايات المتحدة قبل عقود ماضية ، والا كيف يتم تفسير الحظر المفروض على أي حدث للثقافة الروسية في عدد من الدول اليوم ، وكيف يمكن ايضا تبرير أن دوستويفسكي وتشايكوفسكي وتولستوي، الذين حفزوا الحضارة الإنسانية العالمية واثروا مكوناتها، يشكلون “خطراً ثقافيا” على المواطنين بالعالم ؟؟ .
أن هذه القرارات لبعض الحكومات الغربية غير المبررة لكراهية الثقافة والرياضة والأدب والفنون لا يمكن مقارنتها إلا بالصفحات المظلمة من السياسات الأكثر تطرفاً التي تم تنفيذها في الأوقات المأساوية بالغرب نفسه، ما يذكرنا بأحداث حرق الكتب في عصور سابقة مظلمة…، انها إجراءات وقرارات ظالمة سيكتوي الغرب بنارها مع بدايات تحرك شعوبه الذي يخرج هذه الأيام بالمظاهرات المليونية ضد سياسات دوله ورؤى الليبرالية الجديدة المتوحشة اقتصاديا واجتماعيا، والتورط بالحرب الأوكرانية على حساب مصالح تلك الشعوب التي بدت مقهورة وفقيرة اليوم .
والآن، فان اعاقة ومنع تقديم المساعدات الاغاثية لإنقاذ البشر في سوريا الصامدة، الذين ما زالوا تحت انقاض الزلزال المدمر يتنفسون بصعوبة ويصارعون الموت ، فهو بلا شك قرار بإعدام هؤلاء البشر عن سابق إصرار وهم احياء ربما، هي جرائم يتوجب المحاسبة عليها وفق القانون الدولي الإنساني ومواثيق منظمات الصليب والهلال الأحمر الدوليين، على أمل بأن تصحى أوروبا التي اكتوت شعوبها بنار الحروب المختلفة من غفوتها بتبعية السياسات الأميركية ، وتتصرف وفق مسؤولية الواجب الاخلاقي الإنساني على الاقل أمام هذه الكارثة الطبيعية، وهذا ما قد يُبنى عليه ايجاباً في توجه المفوضية الأوروبية الذي صدر اخيرا، وضرورة أن تتوقف سياسات الكيل بمكيالين التي يمارسها هذا الغرب حتى لا تصبح تلك المواقف جريمة إنسانية.
وبالتالي فإن تلك المواقف من تسيس منع الإغاثة تأتي استكمالا لما بدأت به الولايات المتحدة وحلفاؤها من عدوان بشع لتدمير الدولة الوطنية بالمشرق العربي وما ارتكبته من جرائم القتل والتدمير بالتعاون مع فصائل الإرهاب المتأسلمة التي قد اختلقتها هي لهذا الغرض لتنفيذ رؤيتها حول الشرق الأوسط الجديد منذ ان تحدثت عنه كونداليزا رايس، والذي ما زالت الإدارات الأميركية رغم اختلافها تحاول تحقيقه اليوم بتطوير وتوسيع اتفاقيات التطبيع الابراهيمية لحماية التفوق الاستعماري الإسرائيلي بتأكيدات هيلاري كلينتون وجون بولتون في مذكراتهما .
وفي شرق أوروبا وما اثارته الدولة الاميركية المتوحشة من حرب بالوكالة، هنالك الحلم القديم المتجدد الآن الذي تحدث عنه يوما ما مستشار الأمن القومي بريجنسكي لمحاصرة روسيا وإضعافها والسيطرة على أوراسيا بهدف السيطرة على أوروبا كاملة ومن ثم العالم وفق رؤية القطب الأحادي للنظام العالمي المتهاوي الآن، … حلم تسعى له الدولة العميقة بالولايات المتحدة وصقورها المحافظين الجدد من كلا الحزبين وفق إيمانهم بان ذلك سيحقق “هدية الله لاميركيا” كما وصف ذلك الافنجيليون الجدد أصحاب رؤية “حرب هارماجدون” وهم بمثابة الاب الروحي للصهيونية المسيحية واليمين القومي الديني المتطرف واصحاب مجمع الصناعات العسكرية في أميركا الذي خاض ٩٠ حربا ضد شعوب العالم من اجل المال والطاقة والموارد وانقاذ النظام الرأسمالي الاحتكاري من الانهيار، وهو الآن يحرك مفاهيم الإرهاب والعنصرية بالعالم ، كما وهو الذي شجع على نهوض اليمين الصهيوني القومي الديني الفاشي في إسرائيل واليمين الديني الشعبوي بالقارة الأوروبية على طريق بلقنة أوروبا، ومحاولات إعادة حكم اليمين بالانقلابات في أميركا اللاتينية اليوم بعد فوز قوى التقدم واليسار فيها، وتجديد محاولات تصفية قضية شعبنا الفلسطيني من أجل انجاز روايتهم المزعومة بخصوص ما يسمونه “بمملكة اليهود” أو “أرض إسرائيل الكبرى”، وانتصار الخير على الشر وفق مفاهيمهم المزعومة التي تستدعي سياسات الهيمنة تلك والعقوبات المتهالكة في عصر اليوم .
لكن أياً كانت النتائج فإننا سنشهد في الوقت القريب قيام منظومة دولية جديدة تستعيد حماية حقوق الشعوب ومنها شعبنا وتَكسِر عصا ناظر المدرسة الذي لا يَمُت الى حضارة وتراث وتاريخ هذه الشعوب.
وسؤالي وانا أتذكر كتاب “الأميركي البشع” الذي كان والدي يحدثنا عنه لكاتب قصته “وليم لدرر” الموظف السابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية وبالاشتراك مع “يوجين بورديك” والذي صنع لاحقا فيلما سينمائيا عام ١٩٦٣ من بطولة مارلن براندو ، الذي تحدث عن فضائح وجرائم المخابرات المركزية الأميركية وتدخلاتها السافرة بشؤون الدول ، وتم منع عرضه في صالة سينما “دنيا” برام الله سوى ليوم واحد في ذلك التاريخ بعد انكشافه، هو أين هي عدالة وحضارة هذا الناظر الأميركي لمدرسة تسرق من حضارات الشعوب الأخرى وتدعي حقوق الإنسان والديمقراطية؟
وبعد ذلكك يأتي أعداء الإنسانية هؤلاء بوقاحة، ليسرقوا حقوقنا وأحلام اطفالنا بالكرامة والحرية التي ينشدها شبابنا اليوم دون رجعة، وليبيعوننا وهماً وسراباً في زياراتهم وتقديم كسرة خبز ، وهم لا يُدركون أنه ليس بالخبز وحدهُ يحيا الإنسان .
Comments are closed.