بعد يومين داميين .. ألمانيا لبت طلب القذافي وإسرائيل أعلنت “غضب الرب”

انتهت في مثل هذا اليوم من عام 1972 إحدى أكثر العمليات شهرة ودموية بمقتل 11 من أفراد البعثة الرياضية الإسرائيلية في الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونيخ.
قتل بعد فشل عملية احتجاز الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونيخ، أربعة مدربين إسرائيليين وخمسة من الرياضيين المشاركين في المنافسات، واثنين من الحكام، وقتل أيضا شرطي ألماني وقائد طائرة مروحية.

خطط قادة منظمة “أيلول الأسود” الفلسطينية لعملية “ميونيخ” بعد أن رفضت اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة الفلسطينيين في تلك الألعاب التي جرت في الفترة من 26 أغسطس إلى 10 سبتمبر 1972، وكان الهدف من العملية احتجاز أعضاء البعثة الرياضية الإسرائيلية ومبادلتهم بأسرى.

تمهيدا للعملية، نقل فلسطينيان من أعضاء “أيلول الأسود” في سيارتين مجهزتين بمخابئ، صيف عام 1972، ثماني بنادق كلاشينكوف وعدة مسدسات وكمية كبيرة من القنابل اليدوية إلى ميونخ عبر بلغاريا ويوغسلافيا وهنعاريا.
بنهاية أغسطس من نفس العام، وصلت مجموعتان “أيلول الأسود”، كل منهما تضم أربعة أشخاص، إلى مدينة “ميونيخ” بجوازات سفر إيطالية وبلغارية مزورة

 

صبيحة يوم 5 سبتمبر 1972 اجتاز منفذو العملية الثمانية وهم يرتدون ملابس رياضية عدة نقاط تفتيش، وتسلقوا السياج للتسلل إلى المدينة الرياضية حاملين حقائب على ظهورهم وضعت بها الأسلحة والذخيرة. كان ذلك على مرأى من العديد من الأشخاص الذين لم يعيروا المشهد أي اهتمام.

دخل المهاجمون الذين تمكنوا في وقت سابق من سرقة مفاتيح شقق أعضاء الفريق الرياضي الإسرائيلي، مقر هؤلاء وهو عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق يقع في القسم الشرقي من القرية الأولمبية ضعيفة الإنارة.

باغت الهجوم الرياضيين الإسرائيليين النائمين، وقام الخاطفون باحتجاز تسعة من أعضاء البعثة الرياضية الإسرائيلية كرهائن، فيما قتل اثنان آخران حاولا المقاومة.

 نجح بقية الأعضاء الإسرائيليين في الهرب من المبنى، كما نجا آخرون كانوا يقيمون في قسم آخر من القرية الأولمبية والبعض كان يقيم في مدينة أخرى.

انتشر نباء الهجوم المسلح على القرية الأولمبية بسرعة، وهرع إلى المكان عدد كبير من الصحفيين ووسائل الإعلام، وجرى إثر ذلك تعليق الألعاب الأولمبية، وطالب منفذو العملية في اتصال ربطته السلطات معهم بالإفراج عن أكثر من 200 سجين فلسطيني بحلول منتصف نهار ذلك اليوم ونلقهم إلى مصر، كما طالبوا بإطلاق سراح العضوين البارزين في منظمة الجيش الأحمر الألماني، أندرياس بادر وأولريكا مينهوف، وهما رجل وامرأة كانا مسجونين بألمانيا الغربية، إضافة إلى 16 آخرين محتجزين في سجون أوروبية.

السلطات الألمانية رفضت عرضا إسرائيليا بإرسال قوة خاصة إلى ميونيخ لتحرير الرهائن، وحاولت حل القضية عن طريق التفاوض، وهو ما رفضته تل أبيب من جانبها بشكل قاطع.

بعد اتصالات بالمهاجمين قام بها قائد شرطة ميونيخ مانفريد شرايبر ووزير الداخلية البافاري برونو ميرك، وضعت أجهزة الأمن الالمانية خطة للقضاء على الإرهابيين، وأرسلت بعد الاتفاق مع هؤلاء إلى القرية الأولمبية طائرات مروحية لنقلهم على مطار قريب، ربضت على مدرجه طائرة لنقل المهاجمين والرهائن إلى مكان آمن.

كان يفترض أن يكون داخل الطائرة رجال أمن في ملابس الطواقم الجوية، وأن يقوم قناصة في المطار بالتخلص من المسلحين.

فشلت العملية بعد أن انتقل الخاطفون مع رهائنهم إلى مطارعسكري قريب على متن مروحيتين، وحين دخل عدد من الخاطفين والرهائن إلى الطائرة التي كانت في انتظارهم وجدوها خالية، فارتابوا وخرجو منها مسرعين.

انطلق الرصاص واستخدم المسلحون قنابلهم اليدوية وألقوها على إحدى الطائرات المروحية وكان بها رهائن وقتل في المحصلة 11 رهينة إسرائيلية إضافة إلى خمسة من المسلحين فيما نجا 3، اعتقلوا على الفور.

 أظهر تحقيق مشترك في الواقعة قامت به الحكومة الفدرالية الالمانية وحكومة بافاريا وشرطة ميونيخ، القصور الأمني في التخطيط وفي الإعداد للعملية، وعدم خبرة ضباط الشرطة الذين حاولوا القضاء على المسلحين، بما في ذلك عدم وجود قناصة محترفين، ولا أجهزة اتصالات ورؤية ليلية ولا معدات مناسبة بما في ذلك البنادق المزودة بمناظير.

إضافة إلى ذلك، بعد عدة سنوات من الكارثة تبين أن مخبرا من لبنان كان حذر الحكومة الألمانية من هجوم إرهابي وشيك في الألعاب الأولمبية الصيفية، إلا أن هذا التحذير تم تجاهله تماما، علاوة على تحذيرات أخرى مماثلة قوبلت بالسخرية من قبل قادة الأجهزة الأمنية الألمانية.

الفشل الأمني في ميونيخ كان دافعا لتشكيل وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب، وقامت ألمانيا الغربية في ذلك الوقت بتأسيس وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب، وبعض سنوات ظهرت قوات خاصة مماثلة في النمسا، الأمر ذاته سرى على العديد من الدول الأخرى.

الألمان تلبية لطلب من الزعيم الليبي معمر القذافي، أرسلوا جثث المسلحين إلى ليبيا، وهناك دفنوا كأبطال، وشاركت في مراسم تأبينهم حشود غفيرة.

أما بالنسبة للمسلحين الثلاثة الذين بقوا على قيد الحياة، فقد تم إطلاق سراحهم بعد شهرين، بمبادلتهم إثر اختطاف طائرة تابعة للخطوط الألمانية لوفتهانزا كانت في رحلة من بيروت إلى أنقرة.

رئيسة الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت غولدا مائير أمرت الموساد بتحضير عملية سرية أطلق عليها اسم “غضب الرب “،  للانتقام من جميع المتورطين في عملية ميونيخ. على مدى سنوات طويلة جرت ملاحقة والقضاء على الكثيرين من المحسوبين على منظمة “أيلول الأسود”.

اثنان فقط يقال إنهما نجيا من تلك العملية الكبرى وهما محمد داوود عودة ويوصف بأنه أحد المسؤولين في “أيلول الأسود”، وكان توفى حتف أنفه بعد أن ناهز 73 عاما في دمشق عام 2010.

الثاني وهو جمال الغاشي، وكان أحد المشاركين الثلاثة في عملية ميونيخ الذين بقوا أحياء. الغاشي كان تعرض لعدة محاولات اغتيال فاشلة، ولا يزال الموساد يفتش عنه.

Comments are closed.