معهد السياسة والاستراتيجية الاسرائيلية..
ترث الحكومة الجديدة دولة تعيش عصفاً حاداً في كل ما يتعلق بقدراتها للتصدي للأزمة متعددة الأبعاد التي تغرق فيها، فغياب سياسة مرتبة وعدم القدرة على اتخاذ وتنفيذ القرارات الضرورية كشفت فجوات خطيرة أمام التحديات الأمنية الاستراتيجية التي تقف أمامها إسرائيل.
هاكم التحديات والتهديدات البارزة الخمسة التي تستوجب رداً فورياً، والتوصيات للتصدي لها.
العلاقات مع الولايات المتحدة
التحدي:
جسدت حملة “حارس الأسوار” الحاجة الحرجة لإسرائيل لإسناد أمريكي، سياسي (حرية العمل) وعسكري (المخزونات) والتنسيق الأقصى مع الإدارة في سياقات أوسع بكثير من غزة. لقد كشف التصعيد الوزن المتزايد للخط النقدي تجاه إسرائيل في صفوف الجيل الشاب في الحزب الديمقراطي وناخبيه، في أوساط يهود الولايات المتحدة وحتى في معقل التأييد الأبرز لها – الكونغرس. يدور الحديث عن مس شديد ومتواصل في مكانة إسرائيل كإجماع يتجاوز الأحزاب، والذي هو أحد ذخائرها الأهم في الولايات المتحدة – حليفتنا الأكبر.
لقد دخل رئيس الوزراء المنصرف في مواجهة مع الإدارة حول نية واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ويدور الحديث عن صراع عديم المنفعة كونه يصطدم مع جدول الأعمال الاستراتيجي العالمي للولايات المتحدة التي تسعى إلى حماية أجنحتها والتفرغ للصراع على التفوق حيال الصين.
لقد أصبح التحدي الإيراني والعودة إلى الاتفاق النووي نقطة أرخميدس بين إسرائيل والولايات المتحدة، من شأنها أن تؤثر سلباً على جملة العلاقات بين الحليفتين، وتمس بالقدرة على أن نتلقى من الولايات المتحدة المساعدة والإسناد والضمانات اللازمة لإسرائيل في وجه إيران وفي جملة من الساحات الأخرى.
وثمة تحد آخر من شأنه أن يسمم العلاقات، وهو المنافسة بين القوتين العظميين-الولايات المتحدة والصين. فالإدارة الأمريكية ترى الانتصار على الصين مهمة تاريخية، شبه “دينية”، الملقاة على عاتقها، في إطار الصراع على الحرية وتفوق طريقة الحكم الليبرالية الديمقراطية والنظام العالمي.
إن سياسة إسرائيل تجاه الصين من شأنها أن تتركها خارج الجبهة الدولية التي تقيمها الإدارة. فواشنطن توضح لإسرائيل، بما في ذلك علناً، بأنها قلقة من مستوى رقابتها على الاستثمارات الصينية، ولا سيما في القطاع التكنولوجي، مما يعرض المصالح الحيوية الأمريكية للخطر.
الجواب:
على المستوى الأكثر إلحاحاً، مطلوب “تفكيك اللغم” حيال الإدارة في مسألة إيران. على حكومة إسرائيل أن تستعيد الثقة حيال إدارة بايدن. وذلك من خلال الانتقال من الدبلوماسية الصاخبة والمتصادمة إلى حوار هادئ وحميم معها يقوم على أساس التوافق المشترك حول الحاجة لمنع السلاح النووي عن إيران وعلى قنوات التعاون الاستخباري الأمني والعملياتي بين الدولتين.
على الحكومة أن تشطب إشارات نية العمل عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني عن جدول الأعمال – فهي خطوة ليس فيها أي منطق في التوقيت الحالي، الذي ستدحرج فيه العودة إلى الاتفاق النووي القدرات النووية الإيرانية إلى الوراء للسنوات القادمة. بدلاً من ذلك، مطلوب الدخول مع الإدارة إلى تنسيق استراتيجي مشترك وإلى حوار عن المقابل الذي ستحصل عليه إسرائيل والضمانات في حالة ألا ينجح في تحقيق الهدف المعلن للوصول إلى اتفاق أقوى وأطول مع إيران.
في السياق الصيني، لإسرائيل مصلحة عميقة في انتصار الولايات المتحدة بالمنافسة مع الصين، وهي ملزمة بالانخراط في جبهة الدول الديمقراطية التي تبنيها الولايات المتحدة، بما في ذلك في سياقات التكنولوجيا (التي تجلب فيها إسرائيل ذخائر حقيقية إلى الطاولة). إسرائيل مطالبة بحسم استراتيجي لأن تؤيد المصالح الأمريكية بشكل مطلق حيال الصين، وأن تتصرف حيال الإدارة بتنسيق وتعاون وشفافية كاملة في كل ما يتعلق بعلاقاتها مع الصين.
وأخيراً، مطلوب لإسرائيل أن تبلور خطة وطنية شاملة لترميم مكانتها ثنائية الحزب في الولايات المتحدة وعلاقاتها مع يهود الولايات المتحدة والحزب الديمقراطي.
ميزانية وخطة متعددة السنين
التحدي:
اثنان من السياقات الاستراتيجية الواضحة في إسرائيل، اللذان يرسمان لها اتجاهاً بعيد المدى وسلم أولويات وسياسة محدثة في مواجهة الواقع المتغير، تعطلا في السنوات الأخيرة، وهما: ميزانية الدولة، والخطة متعددة السنين للجيش الإسرائيلي.
إن غياب ميزانية تستشرف المستقبل، ترك إسرائيل بدون جواب مرتب حيال الشرخ الاقتصادي – الاجتماعي غير المسبوق، مع عجز متضخم وبلا قدرة على سد الفجوات الخطيرة في استعدادات الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ وفي السياقات الصحية والأمنية.
إن غياب الميزانية لم يسمح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ خطته متعددة السنين (ترش)، بشكل يمس بقدرته على بناء أجوبة وقدرات عملياتية بالتحديات الأمنية الناشئة – سياقات تستغرق سنوات.
الجواب:
على الحكومة أن تبلور فوراً ميزانية تتصدى للتحديات وللواقع المتغير. الكابينت والجيش مطالبان بإعادة احتساب المسار وتنفيذ تعديلات على الخطة متعددة السنين في الجيش الإسرائيلي “تنوفا”، وسد ثغرات خطيرة في جاهزية الجبهة الداخلية للحرب. وذلك في ظل تعريف نقطة عمل، وأهداف وسلم أولويات تناسب الظروف الجديدة، في أعقاب كورونا والمعركة الأخيرة في غزة؛ والحسم في شكل تموضع ميزانية المساعدة الأمريكية المستقبلية لتسلح الجيش الإسرائيلي بمنظومات سلاح متطورة وبمضاعفات قوة.
علاقات اليهود – العرب في إسرائيل
التحدي:
العنف الذي تفجر في المجتمع العربي على خلفية التصعيد في غزة يمثل شرخاً عميقاً في علاقات العرب واليهود، وقنبلة موقوتة تهدد دولة إسرائيل كدولة قانون سليمة. يدور الحديث عن تعبير لفشل طويل السنين لإسرائيل في مجال الاندماج وقدرة الحكم وإنفاذ القانون، حين تتفشى الجريمة والعنف. وثمة مشكلة في قدرة حكم بارزة بشكل واضح أيضاً في يهودا والسامرة وتجاه المتطرفين اليهود الذين أخذوا القانون بأيديهم.
الجواب:
الحكومة ملزمة بأن تطبق إنفاذاً لا هوادة فيه لإعادة النظام (استخبارات، اعتقالات، محاكمات، عقاب رادع)، الذي هو حيوي لإعادة الحياة إلى مسارها السليم ومعالجة رأب الصدع بين الجماعات الأهلية في المدن المختلطة. بالتوازي، مطلوب أن تنفذ بشكل فوري وبتوسع الخطط الوطنية والميزانيات لمعالجة المجتمع العربي. ويجب أن يكون القضاء على الجريمة في بؤرة الجهد، وكذا تشجيع القيادات المحلية ودعمها، وتسريع سياقات الاندماج حيال المجتمع اليهودي ومؤسسات الدولة.
الساحة الفلسطينية
التحدي:
لقد فشلت الاستراتيجية الإسرائيلية. انهار المفهوم الذي يقول إن الاعتراف بحكم حماس في غزة وتحسين الظروف المدنية في القطاع من جهة وإضعاف السلطة في الضفة من جهة أخرى – سيمنع مسيرة سياسية على أساس حل الدولتين في ظل الحفاظ على التوازن الأمني. فجاء التصعيد في غزة ليجسد أن جدول الأعمال الأيديولوجي الديني لحماس يتغلب على كل باقي اعتباراتها في لحظة الاختبار.
بالمقابل، ونتيجة لسياسة إسرائيل، أخذت السلطة الفلسطينية تضعف بشكل قد يجتذب إسرائيل بالتدريج إلى إدارة حياة السكان الفلسطينيين؛ وفرز قوات من الجيش الإسرائيلي للساحة على حساب قدرته على التركيز على التحديات الاستراتيجية في إيران والساحة الشمالية.
الجواب:
على إسرائيل أن تقلب سلم الأولويات تجاه الساحة الفلسطينية. عليها أن تعمل على احتواء حماس وإضعافها، دون المساومة على تحسين الظروف الإنسانية في القطاع التي هي مصلحة إسرائيلية. بالتوازي، عليها أن تغير وبشكل جذري نهجها تجاه السلطة الفلسطينية التي تمثل البديل السياسي لحل النزاع، والتي يجب تعزيزها بكل وسيلة كمنظومة سلطوية.
فضلاً عن ذلك، على إسرائيل أن تسعى إلى بناء السلطة كبديل عن حكم حماس في غزة في المدى البعيد، وإلا فإن البديل الوحيد في القطاع سيبقى دوماً إسرائيلياً.
الأردن
التحدي:
في ظل أزمة كورونا والتصعيد الأخير في غزة، فإن استقرار المملكة الهاشمية وتعاونها مع إسرائيل كان قيد الاختبار. خطوات إسرائيلية في السنوات الأخيرة، مثل خطة الضم، والجدال على حجوم المياه، والمواجهات حول القدس والتخوف (المسنود) للأردن من تآكل مكانته في الأماكن المقدسة لصالح السعودية – كلها مست بنسيج العلاقات مع المملكة وضعضعت اتفاق السلام معه.
ليس للأردن بديل كعنصر في أمن إسرائيل. التعاون الأمني مع المملكة يحمي الحدود الأطول لإسرائيل ويبقيها هادئة وآمنة ويوفر لها عمقاً استراتيجياً بما في ذلك حيال إيران.
الجواب:
على الحكومة أن تعيد بناء العلاقات مع الأردن وتعمل في الساحة الإقليمية والدولية لتجنيد المساعدة لتعزيز استقراره الداخلي. ومن الحيوي تعزيز دور الأردن في حماية وتعميق الوضع الراهن في الأماكن المقدسة داخل القدس، وكقاعدة الامتناع عن خطوات مهينة من شأنها أن تكون هدامة لمكانة الملك الأردني واستقرار المملكة، المهددين على أي حال، والمس بالخلفية الاستراتيجية لإسرائيل.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.