معاريف – بقلم: المراسل العسكري للصحيفة تل ليف رام
مرت 15 سنة منذ حرب لبنان الثانية، والدولة التي عاصمتها بيروت وسميت في الماضي باريس الشرق الأوسط، تعيش الآن حالة انهيار تام. لا يرى جهاز الأمن في الوضع الحالي عاملاً يزيد احتمال الحرب مع حزب الله، ولكنه قلق من تفكك محتمل للجيش اللبناني ومن سيطرة إيران وحزب الله على مراكز قوة إضافية في بيروت الحكم اللبناني. الأزمة الشاملة التي تتعلق بكل مجالات الحياة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وفي نسيج العلاقات الحساس بين الطوائف المختلفة وفي الجيش…كلها قد تؤدي إلى تفكك الجارة الشمالية، وإسرائيل قلقة من التداعيات.
تبدي الأسرة الدولية في هذه المرحلة عدم اكتراث لانهيار لبنان، ويمكن لإيران أن تستغل الوضع في صالحها. تعمل إسرائيل في القنوات السياسية لإقناع الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب للعمل وللمساعدة في استقرار الوضع الاقتصادي في لبنان، في ضوء التداعيات بعيدة المدى التي قد تؤثر على استقرار المنطقة بانهيار الدولة، والارتفاع المرتقب في قوة المحور الشيعي بين إيران وحزب الله. من ناحية إسرائيل، فإن من شأن ميول الفوضى السلطوية والوظيفية التي تلوح في لبنان أن تؤثر سلباً على الاستقرار الأمني على طول الحدود حتى في الفترة القريبة، ولكن ما بقلق إسرائيل أكثر هو التداعيات بعيدة المدى.
وجهاز الأمن يعتقد أن مصلحة حزب الله ألا يتفكك الحكم في لبنان تماماً، والمريح له وجود وضع يتلقى فيه الأموال من الحكومة، ويسيطر تماماً على جنوب لبنان، دون أن يتحمل مسؤوليات سلطوية للاهتمام برفاه السكان. يمول حزب الله الآن، بمساعدة إيران، شبكة محلات لبيع المنتجات الغذائية الأساسية للسكان الشيعة فقط، ومثلما لا توجد وجبات بالمجان لدى إيران، فحزب الله هو الآخر يدخل إلى الفراغ الهائل في أعقاب السقوط الاقتصادي غير المسبوق، ومعني بجني المرابح السياسية من خلال مساعدة عموم الطوائف اللبنانية وما من شأنه أن يعزز مكانته أكثر فأكثر. وهو ميل يقلق جهاز الأمن عندنا.
نتعرف على مدى خطورة وضع الجيش اللبناني من المعطى المذهل التالي: قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، يكسب 677 دولاراً فقط في الشهر، بينما راتب ناشط صغير في حزب الله هو أكثر من 500 دولار. قبل الأزمة الاقتصادية كان الجنرالات الكبار في الجيش اللبناني في رتب موازية لعميد ولواء يكسبون كل شهر راتباً يتراوح بين 4 آلاف و 6 آلاف دولار مقابل عُشر ذلك اليوم.
الوضع في أوساط الجنود أخطر بكثير. الجيش اللبناني جائع للقمة الخبز، واستمرار أدائه في هذه المرحلة يكاد يكون معجزة. ليس بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني علاقات سلام، ولا يوجد في إسرائيل توقع من الجيش اللبناني بأن يعمل ضد مصلحة حزب الله الذي تتقرر الأمور في جنوب الدولة بناء على كلمته، ولا تزال هناك تنسيقات ضرورية على طول الحدود. وبالتالي، فإن تفكك الجيش اللبناني بكل نقاط ضعفه لا يبشر بالخير لإسرائيل. في كل مكان ينشأ فيه فراغ يزداد وجود حزب الله ومقاتليه ويسحق ما لا يزال باقياً من قرار للأمم المتحدة 1701 بعد حرب لبنان الثانية والمتعلق بانتشار الجيش اللبناني في جنوب الدولة على طول الحدود مع إسرائيل.
تغيير على طول الحدود
يجسد التعمق في معطيات الاقتصاد اللبناني عمق الانهيار الذي وصلت إليه الدولة. ففي السنة والنصف الأخيرتين تآكلت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 92 في المئة، ويبلغ التضخم المالي السنوي 119 في المئة، ومعدل السكان دون خط الفقر ارتفع إلى نحو 55 في المئة من 28 في المئة في العام 2019. وهبط الناتج المحلي الخام في غضون سنة بما لا يقل عن 25 في المئة. ويؤثر الوضع الاقتصادي الخطير على الفوضى في الشوارع أيضاً. ففي العامين 2020 – 2021 سجل ارتفاع بمعدل 93 في المئة في أحداث القتل في الدولة، وفي الأشهر الأولى من العام 2021 سجل ارتفاع بمعدل 162 في المئة.
يستعد جهاز الأمن لأن تصل موجات صدى الفوضى في لبنان إلى منطقة الحدود أيضاً، وصادقت قيادة المنطقة الشمالية مؤخراً على خطط لسيناريو في إطاره يصل إلى الجدار الحدودي آلاف اللاجئين اللبنانيين. وفي الأشهر الأخيرة، بات ملموساً تغيير على طول الحدود، ولكنه حتى الآن هامشي نسبياً ويتمثل بارتفاع تهريبات المخدرات والوسائل القتالية، وفي بعض الأحداث يشخص الجيش الإسرائيلي دوراً لمحافل في حزب الله ومسؤول المنظمة السابق الحاج خليل حرب.
لا يستبعد الجيش الإسرائيلي أيضاً العلاقة التي بين محاولة حزب الله الدفع بمواد العمليات المضادة إلى الأراضي الإسرائيلية مثلما حصل في تهريب المسدسات إلى أراضي إسرائيل وأحبط مؤخراً. ومع ذلك، يرى الجيش في هذا تعبيراً آخر على مساعي منظمة الإرهاب للحصول على مصادر تمويل أخرى والأعمال انطلاقاً من مصالح اقتصادية شخصية لنشطاء حزب الله.
يعتقد جهاز الأمن بأن الوضع الصعب في لبنان لا يزيد في المدى الزمني الفوري لاحتمال الحرب مع حزب الله. ومع ذلك، وفي نظرة بعيدة المدى، فإن التوتر الأمني واحتمالات الحرب مع حزب الله في السنوات القادمة سترتفع، وهي متعلقة بقدر غير قليل بأعمال إسرائيل تجاه مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله. يفترض الجيش الإسرائيلي أن الحرب التالية مع حزب الله ستجري في ساحة الشمال كلها، بما في ذلك الحدود مع سوريا، مع احتمال عال في انضمام حماس إليها.
أهلية منظومة الاحتياط
في مقال مشترك لقائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعم، وغل بيرل فينكل من مركز تدو، جاء فيه أن التهديد الخطير على الجبهة الداخلية في الساحة الشمالية، حجمه وإمكانية الضرر بالبلدات الكثيرة المجاورة للجدار تستدعي تنفيذ حركة برية عنيفة في الأراضي اللبنانية لإزالة التهديد، إلى جانب النار الشديدة.
بخلاف حملة “حارس الأسوار” التي لم يدخل فيها الجيش الإسرائيلي إلى أراضي العدو، تعتقد قيادة الجيش بأن الصورة في الشمال تختلف تماماً، وفي تصعيد خطير، لأجل منع التسلل إلى أراضي إسرائيل لقوات رضوان من حزب الله وتقليص الضرر في الجبهة الداخلية سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن ينفذ حركة برية سريعة في الأراضي اللبنانية.
وخططت قيادة المنطقة الشمالية للكتائب النظامية في الجيش الإسرائيلي ونفذت في السنتين الأخيرتين فحص مستوى، بغرض تدريبها بالشكل الأقرب إلى الحرب مع حزب الله. هذا الفحص، فضلاً عن التدريب نفسه، هدفه تعزيز وتحسين جاهزية القوات البرية للمناورة البرية وغرس الثقة في قوتهم على تنفيذها بمواصفات أهلية القوات للحرب.
ومع ذلك، فإن أهلية الجيش لحرب واسعة النطاق، حين ستشارك قوات كثيرة في حرب متعددة الجبهات مع تحديات كبيرة في الأمن الداخلي في أراضي إسرائيل، ستكون متعلقة أولاً وقبل كل شيء بأهلية منظومة الاحتياط، التي تآكلت في السنوات الأخيرة. ولخوض معركة كبيرة في لبنان بالتوازي مع حرب في ساحات أخرى، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى جيش احتياط قوي وكبير في حجمه بما يكفي – وفي هذه المسألة يحذر رجال احتياط كبار كثيرون من نقص في وضع أهلية منظومة الاحتياط.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.