يديعوت – بقلم: سيفر بلوتسكر “على حائط مدخل غرفة عملي في مقر “يديعوت أحرونوت” عُلق لسنوات طويلة خطاب مؤطر لرئيس وزراء إسرائيل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وهذا ما قاله رئيس حكومتي، وأحياناً بصوت مختنق ومنفعل، في خطابه عام 2005: “اليوم، وأنا الذي قادني مسار حياتي لأن أكون مقاتلاً وقائداً ومفكراً في كل الحروب، أمد يدي إلى جيراننا الفلسطينيين في نداء للمصالحة وللحل الوسط، لوضع حد للنزاع الدموي وللصعود معاً إلى المسار المؤدي إلى السلام وإلى التفاهم بين شعبينا. أرى في ذلك رسالتي ومهمتي الأساس في السنوات القادمة”. وقال رئيس الوزراء في حينه لزعماء العالم، وهو زعيم عملي وأيديولوجي صلب لليمين السياسي، ألا وهو ارئيل شارون الراحل: “بلاد إسرائيل عزيزة عليّ، عزيزة علينا، نحن اليهود، أكثر من أي شيء آخر. والتنازل عن أي جزء من أرض آبائنا وأجدادنا يمزق القلب، صعب كشق البحر الأحمر. ولكن حق الشعب اليهودي على بلاد إسرائيل لا يعني تجاهل حق الآخرين في البلاد. فالفلسطينيون كانوا جيراننا أبداً. نحترمهم ولا نتطلع لأن نحكمهم. هم أيضاً يستحقون الحرية والوجود الوطني السيادي في دولة خاصة بهم”. وأنهى خطابه بالقول: “ليت الرب تعالى اسمه، يقضي في هذه السنة مصيرنا ومصير جيراننا للسلاح وللاحترام المتبادل والجيرة الطيبة”.
لم ينجح ارئيل شارون في تحقيق مهمة حياته كما عرّفها في ذاك الخطاب، السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. فقد تعرض لنوبة دماغية كبيرة بعد أشهر من ذلك، لم ينهض منها. وأقواله تلك يتذكرها التاريخ وغير قليل من أبناء جيلي. الآخرون نسوا وأنسوا،، والدليل هو ما قدمه رئيس الوزراء نفتالي بينيت بخطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. الكلمة المحظورة “فلسطينيين” لم تخرج من فمه. وتعبير “السلام مع الجيران الفلسطينيين” لم يخرج كذلك، فما بالك “دولة خاصة بهم”.
حتى نتنياهو، خبير خطابات الاستفزاز المسرحية، رأى من الواجب السياسي – الوطني أن عليه الإعلان في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 2016: “أعرف أن الكثيرين منكم رفعوا الأيدي، ولكني أريد أن تعرفوا – أنا لم أرفع يدي. لا أزال أؤمن بحل الدولتين للشعبين”. ولاحقاً، دعا رئيس الوزراء في حينه نتنياهو، رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، لأن يخطب في الكنيست، ووعد بالمقابل لأن يخطب أمام البرلمان الفلسطيني في رام الله. لكن بينيت؟؟ فقد تجاوز النزاع الدموي الذي يصمم ويحسم مصيرنا كدولة وكشعب، وكأن به بقعة ماء ضحلة ومهملة، دون أن تبل هوامش عباءته السياسية، فيما بالغ في الثناء على الحياة الإسرائيلية الطبيعية. فأي حياة طبيعية في حكم ما لا يقل عن 2.5 مليون أبناء شعب آخر يرون فينا جيش احتلال؟
بالمقابل، استطرد بينيت في التبجحات التي طالت حملة التطعيمات الإسرائيلية، وكأن التطعيمات ضد فيروس كورونا اختراع عبقري للعلم المحلي. وهي ليست كذلك: إسرائيل تشتريها بالمال الكامل من شركات إنتاج أمريكية. نسي رئيس وزراء إسرائيل أن يشير في أقواله إلى الثقافة والفن الإسرائيليين، اللذين يحظيان بتقدير دولي، وعرض بدلاً منهما وبفخار لجمهور سامعيه العالمي، الابتكار الخاص (والنموذج؟) لحكومته في التعايش العملي مع وباء كورونا: اقتصاد مفتوح إلى جانب إصابة واسعة. غير أن هذا الابتكار لا ينجح. وكالة المعلومات الاقتصادية “بلومبرغ” تصنف كل شهر 53 دولة حسب مدى نجاح حكوماتها في صد الوباء في ظل التسبب بالإضرار الأدنى للاقتصاد والمجتمع. في سلم بلومبرغ أيلول، والذي نشر أمس، جاءت إسرائيل في المرتبة 41، على حدود العشرية الأخيرة، انخفاض خمس مراتب أخرى من شهر آب، وبالإجمال انخفاض 36 مرتبة من حزيران هذه السنة، حين كنا في المرتبة الخامسة. حكومة إسرائيل الحالية لا تعتبر في العالم نموذجاً للنجاح في مكافحة كورونا، بل نموذج فشل. ونأمل أن يكون فشلاً عابراً.
خطاب رئيس الوزراء نفتالي بينيت في الأمم المتحدة لن أؤطره ولن أحفظه. بعد سماعي الخطاب شعرت، كإسرائيلي فخور، بأمواج من الحرج حتى الخجل تضرب بي. أرغب بنسيانه في أسرع وقت ممكن.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.