هآرتس – بقلم: شاؤول ارئيلي “مفهوم “تقليص النزاع” الذي استخدمه رئيس الحكومة نفتالي بينيت، يعمق الفجوة بين خطاب حكومة إسرائيل، وسياستها الفعلية. يذكر بينيت بالأيام الأولى لرئيس الحكومة السابق، نتنياهو، الذي عرف كيف يوفر للإدارة الأمريكية مظهراً خارجياً من الاستعداد للمفاوضات وحل النزاع، لكنه فعلياً فعل العكس، مثلما اعترف لاحقاً. نأمل أن لا يتم إغراء بينيت ليعلن عن “ضم تدريجي ليهودا والسامرة”.
يكمن فشل تطبيق هذا المفهوم في عدم تعريف النزاع كنزاع قومي بين شعبين، والتعامل معه بمفاهيم العنف والضائقة الاقتصادية. يكون النزاع وفق حق تقرير المصير لكل شعب من الشعبين في وطنه، أرض إسرائيل وفلسطين، طبقاً لقرارات المجتمع الدولي، وليس حسب حجم الناتج القومي الإجمالي الفلسطيني أو طبقاً لعدد الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل. حل النزاع ثنائي: إما أن تعترف إسرائيل (استمراراً للاعتراف الدولي الذي يرتكز على قرارات الأمم المتحدة 242 و338) بحق الشعب الفلسطيني كما اعترفت م.ت.ف بحقها في اعتراف متبادل، وتمكن من إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو لا. هذا الحق ليس مقاس بنطال يمكن تقليصه وتوسيعه حسب نزوات الخياط.
حتى إذا قبلنا بالتفسير الخاطئ بخصوص “النزاع”، أريد طرح عدة تساؤلات: هل سيقلل شق طرق التفافية لمستوطنات معزولة في قلب السكان الفلسطينيين، الاحتكاك بين المجموعتين السكانيتين؟ هل سيسهم هدم بيوت الفلسطينيين في مناطق “ج”، التي بنيت على أراض بملكيتهم (لكن بدون مصادقة الإدارة المدنية)، في تقليل العنف؟
هل سيقلل البناء المخطط لحي “عطروت” في قلب القرى الفلسطينية في شمال القدس، الاحتكاك؟ هل سيسهم البناء في “جفعات همتوس” وجبل أبو غنيم، في الهدوء الأمني؟ ألن يزيد البناء المخطط له في منطقة “إي 1” (مبسيرت أدوميم) الأنشوطة الخانقة التي تربطها إسرائيل حول شرقي القدس، وتفصل بين شمال الضفة وجنوبها؟ ألا يخنق البناء المخطط له في “إي 2” (جفعات عيتام)، مدينة بيت لحم من الجنوب ويزيد الاحتكاك بين مستوطنة “افرات”، والقرى الفلسطينية المجاورة وبيت لحم؟ هل ستساهم عمليات الشراء والأعمال التي تتم في سلوان، وإخلاء منطقة “شمعون الصديق”، في المصالحة بين الشعبين؟ هل ستسهم آلاف الوحدات السكنية الجديدة التي معظمها في المستوطنات المعزولة، في الاستقرار؟
أيضاً، هل سيحسّن تعيين وزير مخصص للاستيطان، الحوار مع السلطة الفلسطينية؟ وماذا عن الدفع بقانون “الاستيطان الشاب” الذي يتطرق لعدد من الـ 135 بؤرة استيطانية غير قانونية، جزء منها على أراض بملكية فلسطينية وجزء منها تعهدت الدولة بإخلائه أمام الأمريكيين وأمام المحكمة العليا، لكنها لم تفعل ذلك، هل سيقلص النزاع؟ وماذا أيضاً عن مواصلة بناء الـ 70 مزرعة، جزء منها مقام على أراض بملكية فلسطينية، وجزء من الرعاة فيها ينزلقون بشكل متعمد إلى أراضي رعي وزراعة الفلسطينيين… هل ستقلص كل هذه الأعمال الاحتكاك؟
أما عنف جزء من المستوطنين، الذي وصل إلى أرقام قياسية جديدة في السنتين الأخيرتين، فهل يسهم في التهدئة على الأرض؟ هل أعلن بينيت لمنفذي الإرهاب اليهودي أنه ينوي القضاء على تحقيق هدفهم، وهو زيادة الاحتكاك والعنف لإحداث مواجهة واسعة النطاق في نهايتها، كما يحلمون، يقوم الجيش بطرد الفلسطينيين إلى الأردن (“نكبة ثانية”)؟ إن غياب الجهد والاستعداد لمواجهة المشكلة الحقيقية يؤدي إلى اتخاذ خطوات غير منطقية. أحد “التسهيلات” التي اتخذتها الحكومة في إطار سياسة “تقليص النزاع” تشبه الإهمال الأمني والصحي. الجدار الأمني، الذي استثمر فيه 20 مليار شيكل، تحول إلى غربال. كل يوم يجتاز الخط الأخضر إلى إسرائيل بدون أي إزعاج أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني بدون تصاريح. هذا الانتقال مريح وسريع إلى درجة أن العمال الذين لديهم تصاريح يفضلون المرور في الثغرات الموجودة في الجدار، دون فحص أمني ودون البطاقة الخضراء، بدلاً من الانتظار في الطابور على المعابر المنظمة، التي استثمرت إسرائيل المليارات في بنائها، وحتى أنها أنشأت سلطة للمعابر البرية في وزارة الدفاع لتشغيلها.
حتى لو كان صحيحاً ادعاء جهات في الحكومة وفي جهاز الأمن بأن توفير مصادر الرزق للفلسطينيين سيسهم في الحفاظ على الهدوء الأمني، فلماذا لا يتم تنفيذ ذلك من خلال رقابة أمنية وصحية؟ الحقيقة هي أن إسرائيل تفضل رؤية الفلسطينيين كقوة عمل رخيصة لديها، بدلاً من السماح لهم بتطوير وفلاحة أراضيهم الخاصة التي تشكل ليس أقل من 52 في المئة من المناطق “ج”. فهذه الأراضي -حسب “خطة التهدئة” التي يتبعها بينيت من العام 2012- يجب على إسرائيل ضمها.
مفهوم “تقليص النزاع” ينضم إلى قائمة طويلة من مفاهيم فارغة ومغسولة تتبعها الحكومة، ويستبدل مفهوم “إدارة النزاع”. ليس مفاجئاً معرفة أن من وضع هذا المفهوم هو ميخا غودمان، الذي اعترف بأنه يعاني من “كسل أخلاقي” ويعتقد أن “الطريقة الوحيدة للحفاظ على العدالة هي التنازل عن القليل من العدل”. يمكن الافتراض أن من ملت عيونه طوال عقد من رؤية جيرانه الذين هم تحت بيته في قرية الخان الأحمر، يخطئ أيضاً في الإهمال الأخلاقي، لأنه لا يعرف كيف تطبق إسرائيل فعلياً نموذج “تقليص النزاع”. في الحي اليهودي في الخليل مثلاً، “قلصت” إسرائيل الاحتكاك عن طريق تحويل مركز مدينة الخليل إلى مدينة أشباح مغلقة، تم فيها إغلاق مئات المحلات الفلسطينية، واضطر عشرات الآلاف منهم للانتقال إلى منطقة تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، وذلك من أجل السماح لحفنة مستوطنين، يتصرفون بشكل عنيف مع الفلسطينيين ومع الجنود الإسرائيليين، بالعيش كأسياد البلاد.
يتجاهل غودمان أن إسرائيل لا تنفذ في الخليل التزاماتها، مثل إعادة فتح سوق الجملة الفلسطيني، ولأن بينيت، الذي كان وزير الدفاع، دفع ببناء برج من الطوابق فوق سطح السوق لصالح المستوطنين في حي أبينا إبراهيم. وقد لا يعرف غودمان معنى نموذج “تقليص النزاع” و”تعايش مشترك”، ويعتبره الطريقة المناسبة لتطبيق حلمه، الذي بحسبه “بعد عقد، ستسيطر إسرائيل على الفلسطينيين بدرجة أقل مما هي الآن”.
إن كلمتي “تقليص النزاع”، التي تظهر دقيقة، ليست سوى مفهوم فارغ ومغسول ويؤدي إلى تطلع بينيت (وغودمان) لأرقام قياسية من الانفصال عما يحدث على الأرض، وعن القضاء الدولي، وعن القرارات الدولية، وعن القانون الإسرائيلي والمعايير الأخلاقية. ربما يجدر بالحكومة التقدم خطوة أخرى والإعلان بأن إسرائيل ستنتقل من “تقليص النزاع” إلى “تصخيب النزاع”. يبدو هذا أكثر إسعاداً، ويتساوق جيداً مع المواقف الأساسية ومع عالم التشبيهات لرئيس الحكومة، الذي يعتقد أن المشكلة مع الفلسطينيين غير قابلة للحل، وأنه من الأفضل العيش مع “شوكة في المؤخرة” من إخراجها، والمخاطرة بالإعاقة – التي يفترض هو وغودمان بأنها ستُحدث في أي حالة من حالات حلاً للنزاع وإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.