مع انسداد الأفق السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجمود المفاوضات، تبدي المحافل السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية قلقا من تزايد الدعوات الفلسطينية باتجاه الموافقة على الدولة الواحدة، الأمر الذي يعني طيا لصفحة الدولة اليهودية.
في الوقت ذاته، تعتقد ذات المحافل الإسرائيلية أن الهروب من هذه الفرضية المقلقة من خلال استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يعني انفضاض الائتلاف الحكومي، في ظل وجود قوى يمينية إسرائيلية ترفض التعامل السياسي مع السلطة الفلسطينية، وترى اقتصار العلاقة معها على الجوانب الاقتصادية والأمنية.
آفي غيل المدير العام السابق لوزارة الخارجية، والباحث بمعهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI)، ذكر في مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن “إسرائيل حرصت على تجاهل تحذيرات قادة السلطة الفلسطينية، الذين خيروها بين الشروع في التفاوض المباشر أو تنفيذ تهديداتها، رغم أن استجابة إسرائيل لهذه التهديدات يعني أنها ضعيفة، وتمثل انهيارا لمصداقية الحكومة أمام جمهورها اليميني”.
وأضاف أن “عودة الحديث الفلسطيني مجددا عن حل الدولة الواحدة، لجميع مواطنيها، العرب واليهود معا، يعني أن تكون إسرائيل عشية الدخول في خطوة معقدة قد تقدم عليها السلطة الفلسطينية في مواجهة رفض إسرائيل للمضي قدما في حل الدولتين، مما قد يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لاستلام مفاتيح السلطة، والإعلان رسميا أنها لم تعد موجودة، في حين أن هذه السلطة من المفترض أن تكون آلية مؤقتة في طريق حل الدولتين”.
يشكل هذا التخوف الإسرائيلي إثباتا جديدا على أن إسرائيل أكدت أنها ليست بصدد الدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين، وأن نيتها الكاملة فقط تتمثل في الاستمرار في نهب المزيد من أراضيهم للمستوطنين اليهود، مع أن النتيجة المتمثلة لذلك تكمن في وقوع المسؤولية على عاتق إسرائيل، وفق ما ينص عليه القانون الدولي، وبمعنى أكثر تفصيلا انخراطها أكثر في ملاحقة اللصوص والمجرمين، ومتابعة شؤون الصرف الصحي للفلسطينيين.
وفي الوقت ذاته، تطرح المحافل السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية عدة سيناريوهات يهدد بها الفلسطينيون، أهمها مطالبة المجتمع الدولي بفرض الحدود المضمنة في قرار التقسيم لعام 1947، ومطالبة الفلسطينيين بحقوق سياسية متساوية بين الجانبين في إطار دولة واحدة تمتد من البحر الى النهر، وفي حين أن الخيار الأول محض خيال بنظر الإسرائيليين، أما الخيار الثاني فهو واقعي، ويهدد وجود إسرائيل كدولة يهودية.
مع العلم أن التخوف الإسرائيلي يذهب باتجاه تكرار نموذج انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا تحت الضغط الدولي، مما سيضطر إسرائيل لمنح حقوق سياسية متساوية لجميع الذين يعيشون في المنطقة الواقعة تحت سلطتها، وطالما أن إسرائيل تعودت على تجاهل تهديدات الفلسطينيين، فإنها لا تضمن ألا يكونوا جديين هذه المرة في تنفيذ تهديداتهم.
وفي هذه الحالة فإن القلق الإسرائيلي يكمن في أن احتمال مطالبة الفلسطينيين بحقوق متساوية في دولة واحدة يشكل كابوسا حقيقيا، لأن خطورته تكمن هذه المرة في أن الفلسطينيين عازمون على تحقيقه.
ويرصد الإسرائيليون ما يعتبرونه تزايد التأييد الشعبي لفكرة الدولة الواحدة في أوساط الجمهور الفلسطيني، الذي أصبح مقتنعاً تدريجياً بأنه لا يوجد مخرج عملي آخر، ويزداد تأييد هذا الحل من سكان الضفة الغربية بنسبة 30.2٪ عن معدل مؤيدي حل الدولتين بنسبة 23.6٪، فيما يحظى دعم حل الدولة الواحدة بشعبية خاصة بين جيل الشباب الفلسطيني.
أكثر من ذلك، فإن السياسة العبثية الإسرائيلية من خلال وجود حكومة بينيت- لابيد مرهونة برفض العروض التي تقدمها السلطة الفلسطينية من خلال الشروع في مفاوضات سياسية، لاسيما وأن فترة حكم أبو مازن تقترب من نهايتها، وسيخلي مقعده كرجل مريض بقي يراهن عبثا على التزام إسرائيل بتسوية تاريخية، والغريب أنه لم يشعر بالإحباط، رغم كل الإخفاقات التي واجهها في طريقه السياسي.
والخلاصة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية بتركيبتها اليمينية لا تقدم بديلا لمنع سيناريو الدولة ثنائية القومية، وفي الوقت ذاته لا تستطيع دفع ثمن الحفاظ على “إسرائيل اليهودية”، وفي النهاية فإنها ستنهار تماما كما انهار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا تحت الضغط الدولي، وفي المقابل ستضطر إسرائيل لمنح حقوق سياسية متساوية دون مبادرة سلام تسعى لتقسيم الدولة إلى دولتين.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.