ترى مريم مولر، مديرة البعثة الفرعية للّجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، أن حالة “الهدوء”، التي أعقبت وقف إطلاق النار، نهاية مايو/أيار 2021، لم تسفر عن تحسين الأوضاع الاقتصادية الهشة.
وقالت مولر في حوار خاص مع وكالة الأناضول، واصفة الأوضاع في غزة، بعد 8 شهور على انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير: “المدافع سكتت والمعاناة ازدادت”.
وأضافت، إن “التصعيد الأخير (في مايو) كان الأشدّ والأكثر حدّة منذ عام 2014”.
وأوضحت في حوارها، أن “دورة العنف المُتجددة تؤثّر على الصحة النفسية للأفراد المتضررين، الذين عانوا من جولات عنف سابقة أيضا”.
ولمدة 11 يوما، شنت إسرائيل عدوانا على غزة، انتهى بوقف لإطلاق النار في 21 مايو/ أيار الماضي، خلّف مئات الشهداء والجرحى، إضافة إلى دمار واسع النطاق.
**أوضاع معيشية واقتصادية
وقالت مولر إن الوضع الإنساني في غزة، وعلى مدار العقد الماضي، يشهد “تدهورا ملحوظا”.
وأضافت: “غزة معزولة عن بقية العالم منذ 15 عاما، وما زال تضييق الخناق على اقتصادها مستمراً في ظل القيود الصارمة المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع، التي تفاقمت بسبب الخلافات الفلسطينية الداخلية وتبعات جائحة كورونا، وتصعيد مايو”.
وأوضحت أن تلك القيود تجعل من “جهود إعادة إعمار غزة، صعبة”.
وأكملت قائلة: “العديد من العائلات اضطرت لإيجاد حلّ بعد خسارة منازلها وأعمالها، وما زالت بعض العائلات التي دُمّرت منازلها عام 2014 تسكن في إيجارات مؤقتة وفّرتها لها منظمات إغاثية”.
وبيّنت أن حالة من اليأس والإحباط تنتاب السكان نتيجة “عدم إحراز تقدّم في إيجاد حلول دائمة، أو إمكانية تحسين الحياة بغزة”، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة لأرقام قياسية.
وأشارت إلى أن القيود (الإسرائيلية)، والنزاعات العسكرية الأربعة (منذ 2008)، تسببت بأزمة نقص في التيار الكهربائي، فاقمت من تردي الظروف المعيشية لدى السكان.
وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في أغسطس/ آب لعام 2021، فإن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 45 في المائة.
وقالت مولر إن سكان غزة، يمتلكون العديد من المهارات (التي تمكّنهم من العمل)، وهم بحاجة إلى “فرصة للعيش بكرامة، مع دخل كاف لإعالة أسرهم”.
وشددت على ضرورة “تخفيف القيود المفروضة على الأشخاص والبضائع، عبر معابر غزة، لضمان انتعاش الاقتصاد بالقطاع”.
ودعت السلطات في غزة، وخارجها، إلى العمل بجد للتوصل إلى “حل سياسي مستدام”، لتحسين الأوضاع.
وعن المساعدات التي قدّمها الصليب الأحمر بغزة، قالت مولر إن هذه المساعدات تحُول “دون حدوث الأسوأ”.
وتابعت، إن اللجنة بعد إعلان وقف إطلاق النار في مايو الماضي، قدّمت مساعدات إغاثية مالية لنحو 1500 عائلة تم هدم منازلها بشكل كامل، أو بليغ.
كما قدّمت دعما لنحو 150 صيادا، و10 من مربي الدواجن، ونحو 210 مساعدات لأصحاب المشاريع الخاصة لمساعدتهم في الحفاظ عليها، بحسب مولر.
وأردفت: “كما تم دعم ألفي شخص، انضموا إلى العاطلين عن العمل”.
وذكرت مولر أن اللجنة “تركّز على توفير الاحتياجات طويلة الأمد، مثل إعادة ترميم البنية التحتية، وتقديم الدعم النفسي الضروري”.
**القطاع الزراعي
وفيما يتعلق بالمشاكل التي يواجهها القطاع الزراعي في غزة، قالت مولر إن التحديات متعددة بدءا من “النزاع المُمتد، وانتهاء بظواهر التغيّر المناخي؛ التي باتت تشكّل تهديدا رئيسيا له”.
وقالت مولر إن مزارعي المناطق الحدودية، التي تُشكّل “السلّة الغذائية الاستراتيجية لسكان غزة”، هم الأكثر تضررا من النزاعات المتكررة.
وأضافت: “تبرز التحديات التي يصطدم المزارعون بها في تدهور الآبار الزراعية ومشاكل الري، وارتفاع تكلفة الحلول البديلة للطاقة كألواح الخلايا الشمسية؛ والتي لا يمكن للسكان تحمّلها”.
كما يعاني مزارعو المناطق الحدودية، بحسب مولر، من “نقص المواد اللازمة لإعادة تأهيل الدفيئات الزراعية وأنظمة الري”.
واستكملت قائلة: “العمليات العسكرية، التي شهدتها المنطقة الحدودية، على مدى عقد من الزمن، أثّر بشكل مباشر وعميق على سُبل عيش المزارعين ورفاههم الاقتصادي هناك”.
وبيّنت، أن اللجنة الدولية، منذ انتهاء التصعيد الأخير، دعمت نحو 850 مزارعا تضررت محاصيلهم أو مزارعهم، أو دفيئاتهم الزراعية.
وقالت: “ساعدنا في إعادة تأهيل حوالي 70 في المائة، من الأراضي الواقعة بين 100 إلى 300 متر من السياج الحدودي، بما يشمل إزالة مخلّفات الحرب (بمساعدة دائرة هندسة المتفجّرات في وزارة الداخلية بغزة)، وتسوية الأراضي والحرث والزراعة، بالإضافة إلى مرافقة المزارعين أثناء الحصاد”.
ولفتت إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أشركت “أطراف النزاع في معالجة التحديات، خلال الحوار الثنائي، للمساعدة في ضمان التنفيذ السليم للأنشطة الزراعية التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي بشكل فعال، وتمكين المزارعين من الوصول إلى مزارعهم”.
**الأوضاع الصحية
ويواجه قطاع غزة مشاكل منهجية خطيرة تؤثر على جودة الرعاية الصحية المتاحة للسكان، بما في ذلك الأطفال الذين يشكّلون 48٪ من عموم المجتمع، بحسب مولر.
وقالت: “هذه المشاكل تتراوح بين نقص الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة، والأزمة المالية المستمرة التي تفاقمت بسبب القيود (الإسرائيلية)، وتبعات كورونا، وعواقب التصعيد الأخير”.
وأضافت مولر إلى ما سبق، حالة الفقر، التي بدورها أثّرت على “مستويات التغذية لدى الناس وقوة جهاز المناعة لديهم، وعدم قدرتهم على شراء الأدوية غير المتوفرة في المستشفيات”.
وأما فيما يتعلق بتفشّي جائحة فيروس كورونا في غزة، خلال العامين الماضيين، قالت مولر إن هذا الأمر “خلّف أثرا كبيرا على النظام الصحي، المنهك أصلا”.
وأردفت:” فكرة فرض المزيد من الضغوط والتحديات على نظام الرعاية الصحية الهش، مقلقة للغاية”.
وأشارت إلى أن اللجنة الدولية تعاونت مع وزارة الصحة في “إطلاق حملة توعية عامة لتشجيع سكان غزة للحصول على اللقاح؛ كونه الطريقة الصحيحة لتجنب المضاعفات الصحية وتجنّب إرباك النظام الصحي”.
كما دعمت اللجنة الدولية، وفق مولر، مستشفيات غزة “لتكون أكثر مقاومة للصدمات في المستقبل، ولتوفير رعاية طبية أفضل للسكان”.
واستكملت قائلة: “دعم المرافق الصحية هو أولويتنا الرئيسية، فأثناء التصعيد الأخير، بقي فريقنا الجراحي، لمدة شهر بغزة، وعمل جنباً إلى جنب مع الأطباء في المستشفيات”.
وأشارت إلى أن اللجنة، سهّلت أيضا “نقل الإمدادات الطبية من مستودع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله إلى فرعها في غزة لتجديد المخزونات التي استهلكتها طواقم الطوارئ الطبية”.
وساهمت اللجنة أيضا، وفق مولر في “إجراء إصلاحات على البنية التحتية، والرفع من قدرة نظام الطاقة الاحتياطي الذي يعتمد عليه عدد من مستشفيات غزة؛ لضمان استمرارية تقديم الخدمات”.
وحول دور “الصليب الأحمر”، في تسهيل دخول معدّات طبية تمنع إسرائيل دخولها إلى غزة، قالت مولر : ” نحن على اتصال دائم ومنتظم بوزارة الصحة في غزة، ونناقش في حوار مفتوح كافة التحديات التي تواجهها المنظومة الصحية، وكذلك الأمر مع كافة الأطراف المعنية بإدخال مثل هذه المواد”.
وتابعت: “هناك حوار مستمر وتعاون غير منقطع، ونتخذ إجراءاتنا وفقاً لما يجري الاتفاق عليه مع هذه الأطراف”.
وتشير إلى أن من الصعب الإبقاء على “النظام الصحي بغزة على ما هو عليه، في ظل احتمالات تزايد التعداد السكاني والمعيقات الناجمة عن القيود المفروضة على حركة البضائع والأفراد”.
**الصحة النفسية
تضع الندوب غير المرئية (النفسية)، الناجمة عن جولات العنف المتكررة، عبئاً إضافياً على عاتق سكان قطاع غزة، وفق قول مولر.
وتضيف: “بعد انتهاء التصعيد الأخير، بات حجم الصدمات التي يعاني منها الأفراد هائلاً، خاصة لمن فقد أحبائه فإن الحزن والألم يبقى عالقا في الذاكرة”.
وذكرت أن النزاع ترك أثرا يتردد صداه لسنوات في نفوس الأطفال، والكبار بالسن، على حدّ سواء.
وتنقل مولر عن الأمم المتحدة، أن 9 من بين كل 10 أطفال بغزة، باتوا يعانون من صدمة ما بعد النزاع.
وأوضحت، أن الأطفال، الذين يشكّلون نحو نصف تعداد المجتمع وتقلّ أعمارهم عن 18 عاما، “عانوا في الجزء الأكبر من حياتهم من 4 عمليات عسكرية، وتصعيدات متعددة”.
وذكرت أن اللجنة الدولية تواصل “جهودها للمساعدة في تعزيز القدرات المحلية للاستجابة لاحتياجات الصحة النفسية للسكان”، فضلا عن تعزيزها لـ”برامج الصحة النفسية على مستوى المجتمع”.
**ذخائر لم تنفجر
وفي موضوع آخر، تقول مولر إن “الذخائر غير المُنفجرة في القطاع، والألغام الأرضية، تشكّل خطرا مميتا للسكان”.
وأوضحت أنه خلال السنوات الثلاثة الماضية، تم الإبلاغ عن ذخائر غير منفجرة بغزة، لمرة واحدة شهريا، على الأقل، واصفة ذلك بـ”الأمر المُقلق للغاية”.
وتذكر أن اللجنة الدولية “تزوّد دائرة هندسة المتفجرات في وزارة الداخلية، والدفاع المدني، بالمعدات التقنية الأساسية والوقود والخبرة البشرية لرفع قدراتهم ومساعدتهم في إزالة الذخائر غير المنفجرة”.
كما ساهمت اللجنة، خلال السنوات الماضية، بالتعاون مع “جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ووزارة التربية والتعليم في غزة”، بـ”بتوعية المجتمع المحلي بمخاطر الذخائر غير المنفجرة”.
ولفتت إلى أن عدد المستفيدين من جلسات التوعية زاد عن 130 ألف شخص.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.