عقد مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس، والمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مؤتمر “الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها العملية”، في رام الله، وذلك تحت رعاية الرئيس محمود عباس.
ونقل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، زياد أبو عمرو تحيات الرئيس ورعايته لهذا المؤتمر، سيما أن علم المستقبل أو الدراسات المستقبلية لا يزال أرضا بكرا لم يتم الحرث والتنقيب فيها كما ينبغي دون التقليل من أهمية محاولات البعض من أفراد أو مؤسسات أو جامعات في هذا المجال.
وأكد أن الدراسات المستقبلية علم قائم بذاته، لم يتجاوز عمره الخمسين أو الستين عاما، وبدأ أمره لأغراض أمنية وعسكرية بحتة على خلفية انقسام العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ما بين قطب غربي وآخر شرقي، ولكنه ما لبث أن تطور ليشمل مجالات الحياة المختلفة.
وأضاف: “الدراسات المستقبلية أو دراسات استشراف المستقبل ترتكز إلى دراسة الواقع اولاً دراسة مستفيضة وشاملة، ومن ثم استشراف المستقبل، وتقوم على وضع السيناريوهات والاحتمالات التي يمكن حدوثها، وهو علم يقوم على ملاحظة الواقع القائم والمتغير وجمع الشواهد والأدلة والربط بينها من أجل الوصول إلى استنتاجات تتمتع بكثير من المصداقية”.
وبيّن أبو عمرو أن الدراسات المستقبلية تختلف عن الدراسات الاستراتيجية، فالأولى تضع السيناريوهات والثانية تضع الخطط الواجبة التنفيذ.
وشدد على أن فلسطين في أمس الحاجة لهذا النوع من الدراسات، في ظل ما تواجهه من تحديات ومخاطر مختلفة، منوها إلى أن الدراسات المستقبلية علم يجري فيه تجميع الخبرات والكفاءات حيث يشترك فيه المؤرخ وعالم الاجتماع وخبير المياه وخبير السكان ورجل الأمن ورجل السياسة ورجل الاقتصاد وغيرهم، ولهذا فإن الجامعات الفلسطينية مدعوة إلى استحداث مثل هذه الأقسام والدوائر لتصبح قراءة المستقبل قائمة على علم ويقين.
وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن جامعة القدس ممثلة برئيسها عماد أبو كشك كانت صاحبة الريادة في هذا المجال، بإنشاء مركز القدس للدراسات المستقبلية قبل سنتين، مشيدا بالمركز الفلسطيني للدراسات الاستراتيجية الذي كان سباقا في هذا المجال، وكانت هناك تجربة رائدة حيث صدر عدد من الدراسات الهامة في هذا الصدد، وهذا المؤتمر اليوم هو تتويج لكل تلك الرؤى والمحاولات التي ترى في دراسة المستقبل عملا تنمويا وتربويا وأكاديمياً وسياسيا واستراتيجيا في آن واحد.
وتابع: “بالسير في طريق الدراسات المستقبلية نحن نندمج ونتكامل مع محيطنا العربي والعالم بأسره، فهناك مراكز للدراسات المستقبلية في الأردن ومصر ولبنان والسعودية وقطر والجزائر والمغرب الذين سبقونا في ذلك، وهذه المراكز لعبت دورا هاما في صناعة القرار وترشيده وتوجيهه وإنمائه، ولا يغيب عن بالنا مراكز البحث وعلوم المستقبل في العديد من دول العالم التي تحولت فيها هذه المراكز إلى بنوك تفكير لدرجة أن الدراسات الصادرة عنها أصبحت تؤثر وتغير السياسات الاتجاهات وتبدل الاتجاهات، إذ لا يمكن ان يكون هناك أي قرار بأي اتجاه دون دراسة مستفيضة تتمتع بالقدرة على رؤية المستقبل واتجاهاته، ولا يمكن لصانع قرار ناجح أن يقرر دون التعرف سلفا على نتائج أو اثار هذا القرار وانعكاساته”.
وشدد أبو عمرو، على أن فلسطين أحوج ما تكون إلى تعزيز هذا النهج في التفكير والعمل، حيث تعمل الدراسات المستقبلية على جمع الكفاءات من أجل اضاءة المستقبل والقدرة على الإحاطة به والاستعداد له، مضيفا أن هذا المؤتمر الذي يشارك فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين دليل كاف على أن هناك من يأخذ هذا الأمر على محمل الجد والمسؤولية، ولذلك فإن خطوة جامعة القدس تشكل دافعا للجامعات الأخرى في الوطن من أجل إيلاء هذا العلم ما يستحق من اهتمام، فالبحث الأكاديمي حتى لو بقي في مكتبة الجامعة أو بين دفتي مجلة او حتى اطروحة من أجل درجة علمية إنما يعكس مستوى الفكر ودرجة النضج التي يتمتع بها المجتمع.
وقال: إن الدول تخصص ميزانيات ضخمة للأبحاث لأن الاستثمار في الإنسان هو أنجح استثمار، والاستثمار في العلم والتعليم هو مقدمة ضرورية للاستمرار في جوانب الحياة الأخرى.
وأعرب أبو عمرو عن سعادته بانعقاد هذا المؤتمر بمشاركة أكاديميين وباحثين من دول عربية، ليساهموا في إثراء الرؤية وتوسيع المشهد ونقل الخبرة وتفاعل المعرفة، ذلك أن التجربة الفلسطينية بحاجة للتفاعل مع مثيلاتها في الدول العربية.
وختم كلمته بالقول: “باسم الرئيس محمود عباس أبلغكم بأنه يتبنى ويعول كثيرا على عملكم هذا، ويرى في مؤتمركم بداية لعمل جاد، يؤصل ويؤسس لفكر الدراسات المستقبلية، ما يسهم في تعزيز وتطوير مؤسساتنا البحثية حتى تؤدي دورها اللائق في خدمة قضايانا وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس”.
بدوره، أكد رئيس جامعة القدس عماد أبو كشك، أهمية المؤتمر الذي يعقد تحت رعاية الرئيس محمود عباس، انطلاقا من أن الموضوع الحيوي والاستراتيجي يسعى للتعريف بالدراسات المستقبلية ونسقها المفاهيمي، واستخداماتها وكيفية توظيفها في استشراف المستقبل والتأثير به في الاتجاه الصحيح ومناهجها وتقنياتها وأساليبها.
وأشار إلى أن الدراسات المستقبلية باتت ضرورة حتمية للتكيف مع التطورات العلمية والتكنولوجية والمتغيرات المتسارعة والتحولات والتحديات المواكبة لها، حيث تستهدف رسم خريطة شاملة للمستقبل من خلال طرح الخيارات الممكنة وتحديد الاحتمالات المختلفة وتقييمها وصولًا للخيار الرشيد والأمثل.
وأضاف أبو كشك، “تعمل الدراسات المستقبلية على التقليل من حدة الأزمات والتنبؤ بها قبل حدوثها للاستعداد بالحلول المناسبة لها، وهي تعتبر مدخلا لا غنى عنه للتخطيط الاستراتيجي والذي يعتمد على الافتراضات والصور المستقبلية المبنية على استكشاف المستقبل من المعطيات المتوفرة والمعلومات والآراء القارئة لمجريات الأحداث وتحليلها”.
ونوه إلى أن واضعي السياسة العامة يعملون من خلال الدراسات المستقبلية على صياغة قالب فكري ممنهج من شأنه أن يمكن من تحديد وتفسير المشاكل والتحديات المستقبلية التي تعترض سبيل التطور، وصولاً إلى ترشيد عملية صنع القرار السياسي عن طريق إتاحة المرجعيات الملائمة لصناع السياسة العامة واقتراح مجموعة متكاملة من البدائل المتاحة لاختيار البديل الأمثل والأنسب لحل المشكلة القائمة.
وتطرق رئيس جامعة القدس إلى أن الدراسات المستقبلية مفتوحة أمام كافة التخصصات، وتمكن من استخدام الأساليب التشاركية المستمدة من التصورات المستقبلية وفقًا لآراء الخبراء والمختصين وتقنيات العمل الجماعي التشاركي، مشيراً إلى أن الأهمية الاستراتيجية لهذه الدراسات تكمن أن تصبح ثقافة مجتمعية متجذرة ومتجددة، وأسلوب تفكير ونمط حياة وواقعا ملموسا ومعاشا، كونها تهدف إلى استشراف الممكن من تلك الخيارات واحتمالاتها سعيًا نحو تحقيق الأهداف، استنادا للقيم والمبادئ والمعتقدات الاجتماعية والثقافية، وترجمتها إلى اختيارات عملية ممكنة التطبيق.
من جهته، توجه مدير المركز الفلسطيني للدراسات الأمنية والاستراتيجية محمد المصري، بالتحية للرئيس محمود عباس راعي المؤتمر، ممثلا بعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير زياد أبو عمرو.
وأشاد بالشراكة مع جامعة القدس التي دعمت فكرة عقد المؤتمر وقدمت كل الدعم من أجل إنجازه وضمان نجاحه، إيمانا بأهمية الدراسات المستقبلية وضرورة ومأسستها في الجامعات الفلسطينية.
وأشار المصري إلى أن هذا المؤتمر الأول من نوعه، يخصص للدراسات المستقبلية باعتبارها منهجاً علميا وإدارة معرفة وأسلوب بحث جديد، لافتا إلى محاولات كثيرة لم تتركز ولم تتحول إلى ظاهرة.
وتابع: “هذا المؤتمر يأمل الجميع أن يجعل من دراسات المستقبل علماً يدرس في الجامعات الفلسطينية وأن يتنافس فيه الباحثون وتحويله إلى خطط عمل وسياسات وأطر وقرارات ناجزة على الأرض”.
وأشار إلى أن هذا المؤتمر مخصص ليقدم باحثون كل في مجاله أوراق عمل بحثية تتناول المستقبل وجوانبه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بهدف وضع هذا العلم موضع التجربة والفحص ومن أجل تحويل المعرفة إلى عمل والنهج العلمي إلى سلوك بالاعتماد على الدراسات المستقبلية في الجامعات الفلسطينية.
وبين المصري أن تجربة المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية في هذا المجال أثرت عديدا من البحوث المستقبلية وعالجت مختلف جوانب التحديات والمخاطر المستقبلية في المجتمع الفلسطيني دائم التبدل والتهديد، وتم بالتعاون مع جامعة القدس المفتوحة في السابق، إصدار عدد من هذه الدراسات ولم تستمر بسبب ظروف اقتصادية وظروف متابعة إدارية، وثمن في هذا السياق قرار رئيس جامعة القدس عماد أبو كشك بمأسسة هذا المجال العلمي بإقامة مركز الدراسات المستقبلية، وعبر كذلك عن رعاية الرئيس محمود عباس وفي ذلك دلالة هامة إلى إيمانه بأن استشراف المستقبل ودرء أخطاره واستكشاف فرصه يشكل ضرورة قصوى.
ويتضمن برنامج العمل الخاص بالمؤتمر عقد جلستين، يعرض في الأولى أوراق عمل، تناولت الأولى الدراسات المستقبلية تعريفاتها وأساليبها واستخداماتها، وورقة أخرى حول السيناريوهات الممكنة لمستقبل مدينة القدس في ظل التحديات والمخاطر، وورقة ثالثة تناولت مستقبل التنمية في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، كما قدمت ورقة بحثية بخصوص مستقبل المجتمعات العربية الجديدة في ظل الهجرة والتهجير والانقسام والصراع الداخلي.
وخلال الجلسة الثانية، تقدم أوراق بحثية تطرقت إلى قراءة في النظريات الأمنية الإسرائيلية، والنظام الدولي من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر إلى فيروس كورونا، إلى غزو روسيا لأوكرانيا، ومرتكزات الخطاب الإعلامي الغربي: الحرب الروسية الأوكرانية نموذجاً، ودراسة الآثار الاقتصادية للانقسام والاحتلال.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.