العمل في الهواء الطلق في الصيف “معاناة” بالنسبة لعمال الخليج

إنه الاسبوع الأول من فصل الصيف، لكن الحرارة تجاوزت بالفعل 50 درجة مئوية في مدن خليجية عدة، حيث يحذّر خبراء من أنّ الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة يمكن أن يصعّب الحياة في هذه المنطقة الصحراوية.


وعلى غرار ملايين الأجانب الذين يعملون في الهواء الطلق مقابل الحد الأدنى من الأجور في دول الخليج الثرية، يكاد المواطن الهندي بي ساجاي يفقد قدرته على تحمل الحرارة، فبالنسبة له بات فصل الصيف عبارة عن معاناة.

وقال متحدثا لوكالة فرانس برس في مسقط حيث يعمل في مواقع بناء منذ ست سنوات “نعمل في درجات حرارة مرتفعة جدا، لكن هذه هي طبيعة عملنا. نعم، نعاني من شدة الحرارة”.

وتابع “الشيء الوحيد الذي نعتبره متنفسا لنا هو فترة الراحة (…) في منتصف النهار”.

وتعتمد سلطنة عمان والسعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت بشكل كبير على العمالة الأجنبية، وخاصة الآسيويين، في مهن يتجنبها معظم السكان المحليين لصالح المناصب الحكومية ذات الأجور المرتفعة.

ويعمل جزء كبير من هؤلاء العمال في مواقع البناء وجمع القمامة.

وبين حزيران/يونيو وآب/أغسطس، تحظر القوانين في الدول المنتجة للنفط العمل في الهواء الطلق لمدة أربع ساعات تقريبا بدءا من الظهيرة بسبب الحر الشديد. وعادة ما يلجأ العمال لأي ظل يقيهم الشمس الحارقة خلال فترة الحظر.

لكن في السنوات الاخيرة، حتى الظل أصبح لا يطاق بشكل متزايد في المنطقة الغنية بالوقود الأحفوري.

والثلاثاء، وصلت درجات الحرارة في اليوم الأول من فصل الصيف في أنحاء متفرقة من المنطقة، من الرياض إلى الكويت وأبوظبي، إلى 50 درجة مئوية. وحتى قبل ذلك، أصبحت الكويت في شهر أيار/مايو أكثر الأماكن حرارة على وجه الأرض، مسجّلة 53,2 درجة.

وقال الخبير الكويتي في مجال الأحوال الجوية عيسى رمضان إنّ “السنوات العشر الاخيرة هي الاعلى حرارة في الكويت”، محذّرا من أنّ “الصيف أصبح يمتد في الكويت الى شهر أيلول/سبتمبر واحيانا الى اجزاء من شهر تشرين الأول/أكتوبر”.

في مسقط، قام عمال هذا الشهر بتغطية رؤوسهم بأوشحة وقبعات ملونة، بينما اختبأ آخرون في ظل أشجار التمر في وسط شارع ذي اتجاهين. وكان المارة يحملون المظلات وهم يسيرون تحت أشعة الشمس الحارقة.

وقال محمد مكرم لفرانس برس “من أجل إتمام ساعات العمل الثماني في أسرع وقت ممكن، أبدأ العمل أحيانًا في السادسة صباحا، وأتوقف خلال فترة الراحة، ثم أعمل لساعتين أخريين”.

وتابع عامل البناء البنغلاديشي “إذا عملت لساعات أكثر، أكسب المزيد”.

ويثير العمل في الخارج خلال فصل الضيف انتقادات من قبل منظمات حقوقية تطالب بحماية أكبر للعمال.

وفي قطر، دعت منظمات حقوق الإنسان الدولة المستضيفة لبطولة كأس العالم 2022 إلى اعتماد قوانين لحماية مئات الآلاف من عمال البناء، وللتحقيق في وفيات مرتبطة بأمراض قلب وتنفس ناتجة عن الحرارة العالية.

لا توجد بيانات موثوقة حول أعداد وفيات العمال المهاجرين في دول الخليج. غير ان دراسة حديثة أجرتها مجموعة “فايرل ساين” التي تضم منظمات حقوقية من دول اسيوية، أن “ما يصل إلى 10000 عامل مهاجر من جنوب وجنوب شرق آسيا يموتون في الخليج كل عام”.

وذكرت الدراسة التي نُشرت في آذار/مارس الماضي أنّ أكثر من نصف الوفيات يتم تسجيلها بشكل عام على أنّها وقعت بسبب “أسباب طبيعية” أو “سكتة قلبية”.

في 2020، كشفت دراسة نُشرت في مجلة “ساينس ادفينسز” أن منطقة الخليج تسجّل أكثر الأجواء حرارة ورطوبة مقارنة بأي مكان آخر على وجه الأرض.

ويقول خبراء أن الإنسان البالغ الذي يعمل في الهواء الطلق معرّض للموت إذا تجاوزت حرارة جسده مقابل الحرارة الخارجية 35 درجة مئوية لمدة ست ساعات.

وأظهرت الدراسة أنه لم يحدث هذا الأمر سوى 14 مرة، جميعها في العقدين الماضيين، وبينها ثماني في منطقة الخليج وحدها.

كما خلصت دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر كلايمت تشنجينج” قبل بضع سنوات إلى أنه “في غضون هذا القرن، يمكن أن تتعرض أجزاء من منطقة الخليج (…) لموجات غير مسبوقة من الحرارة القاتلة نتيجة لتغير المناخ”.

ووجدت أن العديد من المدن في المنطقة يمكن أن تصبح غير ملائمة للعيش، حتى في الأماكن المظللة وأماكن التهوية.

في هذا السياق، يحذّر مدير البرامج في منظمة “غرينبيس” في الشرق الاوسط وشمال افريقيا جوليان جريصاتي من أنه “إذا لم نغير المسار، فإن درجات الحرارة هذه ستستمر في الارتفاع على مر السنين لتصل إلى مستوى تكون فيه الأنشطة البشرية في الهواء الطلق في الخليج، مثل الحج، شبه مستحيلة في الصيف”.

وتستعد السعودية لاستقبال مليون حاج الشهر المقبل لأداء المناسك السنوية، بعد تقليص كبير في الأعداد خلال العامين الماضيين بسبب فيروس كورونا.

ويقول جريصاتي لفرانس برس إنّ “الحل الوحيد هو تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري الذي يعد المحرّك الرئيسي لتغير المناخ والتحول التدريجي والسريع نحو الطاقة المتجددة”.

وتخطط دول الخليج للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050.

Comments are closed.