في القدس وإحصاء السكان والأجيال الثلاثة

بقلم: عماد عفيف الخطيب


أعلن مركز الإحصاء الأسرائيلي مع نهاية العام 2020 أن عدد سكان إسرائيل بلغ 9,291,000 نسمة، شكل اليهود منهم ما نسبته 73,9% بواقع 6،870،000 وشكل العرب ما نسبته 21،1% بواقع 1،956,000 أما الباقي فهم الأقليات الذي بلغ تعدادهم 456,000 نسمة. وأوضح مكتب الإحصاء انه منذ العام 1948، وتحديداً بعد “تأسيس” دولة إسرائيل في فلسطين، وحتى نهاية العام 2020 بلغ عدد المهاجرين اليهود 3,336,659، أي أنهم شكلوا حتى نهاية العام 2020 ما نسبته 48.5% من إجمالي عدد اليهود. كما ذكر مركز الإحصاء أن 60% من مجموع المهاجرين وصلوا خلال الفترة بين 1948 ونهاية العام 1990، أي بمتوسط زيادة سنوية بلغت 1،4%، بينما شكلت الفترة من العام 1991 وحتى نهاية العام 2006 إرتفاعاً كبيراً في عدد المهاجرين حيث شكل عددهم ما نسبته 29% من مجموع المهاجرين حتى تموز 2022، مما يعني معدل زيادة سنوية تتجاوز 1,9%. وقد تضاءلت أعداد المهاجرين بعد العام 2006، لكنها أرتفعت بشكل لافت مع نهاية العام 2021 وحتى تموز 2022 حيث وصل عددهم 31،060 مهاجرا، أي ثلاثة أضعاف مقارنة بأعداد الأعوام القليلة السابقة، علماً بأن معظمهم هاجر من أوكرانيا وروسيا.
وقبل أكثر من تسعين عاماً أصدر مركز الأحصاء التابع للإنتداب البريطاني نشرة الإحصاء السكاني للعام 1922 حيث بلغ عدد سكان فلسطين حينها 757،182 نسمة وشكل العرب ما نسبته 87،7% واليهود 11،1%، إضافة لأقليات أخرى شكلوا ما نسبته 1,3% من إجمالي عدد سكان فلسطين. وفي العام 1932 إصدار الإنتداب البريطاني كتاب الإحصاء المفصل لفلسطين حيث يتبين أن تعداد سكان فلسطين بلغ 1,035,821 نسمة، شكل العرب ما نسبته 82,2% واليهود 16,9%. قسّم الكتاب الإحصائي فلسطين إلى ثلاثة ألوية أساسية: الشمالية والجنوبية والقدس، وشمل كل لواء مجموعة من الأقضية، بينما شمل كل قضاء مجموعة المدن والقرى والتجمعات السكانية التي تم إحصاء ساكنيها.
خلال الفترة من 1930 وحتى العام 1947 تضخم التعداد السكاني لفلسطين بشكل كبير نتيجة للزيادة في عدد المهاجرين اليهود الذين وصلوا لفلسطين. فخلال الفترة 1930-1935 فقط وصل معدل نمو تعداد اليهود 19% بينما وصل معدل نمو تعداد العرب الفلسطينيون 3%. ومع هذا النمو “غير الطبيعي” شكل تعداد اليهود في العام 1946 ما نسبته 33% من تعداد سكان فلسطين. أظهرت الإحصاءات البريطانية لعام 1931 أن التجمعات السكانية اليهودية في لواء الشمال تمركزت في مناطق محددة، وفي لواء القدس كان التعداد الأكبر في المدينة نفسها، وفي لواء الجنوب كان التعداد أضعف وتركز في مدينة يافا.
ما بين العام 1931 والعام 2021 تعاقبت في فلسطين التاريخية ثلاثة أجيال، ومع بدء العام 2021 شكل تعداد العرب الفلسطينيون ما نسبته أكثر من 50% من إجمالى سكان فلسطين التاريخية، علماً بأن مئات الالاف من الفلسطينيين كانوا قد هاجروا قسراً خلال الفترة 1948-1967. ومع بدء مرحلة الجيل الرابع، فإن مستقبل فلسطين والمنطقة ومن تبقى من الأجيال السابقة ومن سيتبقى من الأجيال اللاحقة، مرهون بإدراك الحقيقة المؤكدة أن ما لم تستطع إلغاءه التسعون عاماً الماضية من حق ورواية أصيلة، لن تستطيع إلغاءه أعواماً إضافية عديدة قادمة.
يذكر “مؤسس علم الإجتماع” العلامة إبن خلدون في كتابه “المقدمة” أن للدولة عمراً كعمر الإنسان يصل في مداه لثلاثة أجيال متعاقبة، حيث يقوم الجيل الأول بالبناء والعناية، ويكمل الجيل الثاني تقليداً ما قام به سلفه، ثم يأتي الجيل الثالث ليهدم ما أنجزه الجيلين.

Comments are closed.