انتشرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي التي يديرها جيش الاحتلال الكثير من الفيديوهات التي تعرض محتوى خطيرا يظهر جنود الاحتلال الإسرائيلي على الحواجز العسكرية وهم يقدموا الإسعافات الأولية لبعض المواطنين الفلسطينيين الذين أرادوا الاعتكاف في المسجد الأقصى ليلة القدر وفيديوهات اخرى تظهر جنود الاحتلال وهم يوزعون المياه عليهم واخرى يصافحوهم وغيرها الكثير, انها ليس اكثر من صور والكثير منها مبالغ فيه ليجمل الاحتلال وجهه البشع امام الصور الحقيقية التي انتشرت بكثافة لاعتداءات جيش الاحتلال الوحشية على المصلين المسلمين في المسجد القبلي وتكسير الأبواب والشبابيك واعتقال المصليين، ولحقها مشاهد اخرى بشعة لضرب وسحل المتعبدين المسيحيين امام كنيسة القيامة في مناسبة “سبت النور” ومنعهم من الدخول للكنيسة . مشاهد مقصودة نقلها الاعلام العبري لا تغير من الواقع شيئا ولا تجمل صورة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح ولا يمكن ان تدحض حقيقة تعرض المسلمين والمسيحين لاضطهاد ديني ممنهج من قبل دولة الاحتلال , ولا يمكن ان تغطي على الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون بالضفة عبر عشرات الحواجز العسكرية للوصول للقدس بالإضافة لمنع اهل غزة بالكامل من الاعتكاف وإقامة ليلة القدر في الاقصى . كانت شرطة الاحتلال قد أصدرت قرارا بتحديد عدد المحتفلين المسيحيين باحتفالية “سبت النور” ما اثار غضب زعماء الكنيسة الذين اعتبروه جزءا مما يصفونها مساعي إسرائيلية مستمرة لتقييد حقوق وحريات وعبادة المسيحيين في المدينة المقدسة، ما وراء هذا التحديد سياسة ممنهجة لإعاقة وصول المسيحيين من بقاع الأرض الي القدس وكما هو معروف منع المسيحين من قطاع غزة والضفة الغربية من الوصول للقدس ليس في مناسبة “سبت النور” وانما في كل احتفالية مسيحية بالمقابل. المنع أسلوب احتلالي يٌتبع لتقليل عدد المتعبدين من المسلمين والمسيحيين في مقدساتهم بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وهو أسلوب عنصري ممنهج يعتمده الاحتلال لتقليل عدد المصلين المسلمين بالمسجد الأقصى وعدد المصلين المسيحين بكنيسة القيامة ليس لدواعي امنية وانما سياسة احتلالية ممنهجة لفرض السيادة الإسرائيلية على الأماكن المقدسة بالمدينة المقدسة.
هذه ليست سياسة جديدة تنتهجها حكومة نتنياهو بن غفير لكنها قديمة حتى ابان الحكومات السابقة وباتت تعني رفض سلطات الاحتلال ان يكون للمسلمين او المسيحين أي سلطة على مقدساتهم وهو مسار لتغير الوضع التاريخي في المدينة المقدسة بما يتلاءم والمخطط الخاص بحكومة نتنياهو بن غفير وحسم قضية القدس والمقدسات فيها كمقدمة لحسم مجمل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الجميع يدرك ان هذا قد يقود لحرب دينية معقدة لكن حكومة الاحتلال لا تأبه بهذا ولا يعنيها ارتباك المشهد نتيجة لممارسة مزيد من الإجراءات الاحتلالية التي تضيق على المسلمين والمسيحيين على السواء لان العالم العربي والمجتمع الدولي لم يعبر عن رفضه لهذه الممارسات سوي بالشجب والاستنكار والقلق من هكذا سلوكيات احتلالية ليس اكثر ,والمعروف ان الاحتلال لا يكترث بالشجب والاستنكار ما دامت مصالحه لم تتضرر, ولا يهمه تعبير المجتمع الدولي عن حالة القلق جراء هذه الإجراءات التي في أساسها إجراءات ترتقي للاضطهاد الديني والاعتداء على المقدسات الدينية والمتعبدين من مسلمين ومسيحين.
الحقيقة ان الاحتلال يمارس سياسة ممنهجة لنزع الفلسطنة من المدينة المقدسة وتحويلها الى مدينة يهودية الطابع لا شيء فيها يوحي بانها كانت يوما من الأيام مدينة إسلامية عربية فلسطينية. الاحتلال يدرك انه لا يستطيع التخلص من الاماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس في وقت قصير ولا تستطيع أي حكومة احتلالية فعل ذلك لكن بمرور الزمن والتهويد التدريجي وفرض إجراءات صارمة على وصول أصحاب الديانات الى أماكنهم المقدسة يعتقد الاحتلال انه يستطع فعل ذلك، ويسعي في الوقت الحالي لفرض السيادة الإسرائيلية بالقوة على كل شيء يتعلق بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وبالتالي تغير الوضع التاريخي في المسجد الأقصى بتقسيمه زمانيا ومكانيا وإقامة الهيكل المزعوم مكان المصلي القبلي وامام باب المغاربة.
هذا اضطهاد ديني ممنهج تمارسه حكومة الاحتلال له علاقة بالمشروع السياسي الصهيوني القائم على كيان بقومية واحدة وديانة واحدة لهذا تصر حكومة نتنياهو الدينية المتطرفة على انكار حق الشعب الفلسطيني في مقدساته وحقه بأرضه التاريخية ولا تعترف بوجود ديانات اخرى في فلسطين غير الديانة اليهودية الصهيونية ولعل هذا الاضطهاد بات يتطلب تدخل حقيقي من المجتمع الدولي وتوفير الحماية للمسلمين والمسيحيين وكل أبناء الشعب الفلسطيني في كافة مناطق الضفة الغربية والقدس. الحقيقة ان حكومة نتنياهو لا تسعي لفتح القدس لكل الديانات وتحويلها مدينة مقدسة تحترم فيها حرية التعبد للديانات الثلاث ولكن تسعي لان تثبت ان أصحاب الديانة اليهودية فقط هم الغالبية العظمي في المدينة المقدسة وبالتالي يحق للحكومة الإسرائيلية فرض السيادة الإسرائيلية على كل مكان مقدس يتبع الديانتين الإسلامية والمسيحية من اجل حماية اليهود ومقدساتهم التي اثبت التاريخ بان ليس لهم أي مقدسات تاريخية بالقدس وحائط “المبكي” الذي هو حائط البراق الفلسطيني ليس الا مكان أراد اليهود ان يمارسوا فيه طقوسهم الدينية باعتباره جزءا من المسجد الأقصى ليس اكثر.
الاضطهاد الديني الذي يمارس بحق المسلمين والمسيحيين ليس حدثياً ولا في مناسبات معينة كالأعياد وشهر رمضان المبارك ولكنها سياسة احتلالية ممنهجة طوال العام تبدو مركزة في الأعياد ليس للتنغيص على المسلمين واستفزازهم بل ليشعروا ان المسجد الأقصى ليس لهم وحدهم وانما اليهود أيضا شركاء فيه وهذا أخطر من الاستفزاز ذاته. ان صمت العالم واليونسكو والأمم المتحدة على هكذا اضطهاد ديني شنيع من شانه ان يعرض المنطقة لحرب دينية ضارية تربك المنطقة باسرها وتبث الفوضى وعدم الاستقرار في كل مكان , لذا بات واجبا على كل الهيئات الأممية والدول المركزية بالعالم ومجلس حقوق الانسان ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والفاتيكان السعي الحقيقي والجاد لتوفير الحماية الدولية للمسلمين والمسيحيين على السواء وخاصة ان تلك المقدسات التاريخية تقع ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وتنطبق عليها كافة قوانين الأرض المحتلة والتي توجب حماية التراث التاريخي والديني الإسلامي والمسيحي على السواء من عبث سلطات الاحتلال.
Comments are closed.