متحف فلسطين الوطني في ذِكْرَى النكبة

الهدف من هذا المقال هو لفت الانتباه لأهمية قوة الرواية وتجسيدها ونقلها لكل العالم بالطرق المتاحة، لقد اعتمدت هيئة الأمم المتحدة السابع والعشرين مِن كانون الثاني الْيَوْمَ العالمي لذكرى الهولوكوست، كي لا ننسى! وهذا العام اعتمدت الأمم المتحدة الخامس عشر من أيار لإحياء ذكرى النكبة لأول مرة.


الدول، حتى أكثرها اعتدالاً ونصرة للشعب الفلسطيني، تحتفي بذكرى الهولوكوست وتردد عبارة لَن ننسى ولن نسمح بتكرار المذبحة والمحرقة التي لحقت باليهود. تاريخ تحرير مخيمات التعذيب في أوسشىويتز بيكنباو اصبح يوماً عالمياً لتذكر ضحايا الهولوكوست؛ تختلف طرق العالم في تذكر الضحايا، فإلى جانب الخطابات الرسمية والتقارير والبيانات الصحفية التي تصدر عن المسؤولين في يوم الذكرى، ستجد التماثيل والمتاحف والحدائق والنصب التذكارية للاحتفاء بضحايا اليهود في بودابست وباريس وبرلين ونيوأورليانز وڤيينا وميامي ومنسك وغيرها. أما في القدس فيحرص الإسرائيليون على أن يزور كل ضيف رسمي متحف ياد ڤاشيم الذي يعكس حياة ضحايا الهولوكوست وهناك غرفة مُصممة بشكل أسطواني ارتفاعها ١٠ متر تغطي جدرانها ٦٠٠ صورة لرجال ونساء وأطفال ضحايا المحرقة.

تخيلوا معي مساحه الغرفة التي يحتاجها متحف فلسطين الوطني لتغطية صور الشهداء الأطفال والنساء والرجال الذين أعدموا في فلسطين منذ النكبة. فمنذ بدأيه 2023 فقط سقط 150 شهيدا، تخيلوا معي صالة عرض المجازر التي نفذها الاحتلال عبر تسلسل زمني ممنهج، تخيلوا معي جناح الثقافة واللباس التقليدي والاثواب الفلسطينية والاكلات الشعبية والنباتات والاعشاب والزيتون والطيور والرموز والموسيقى والرقص والدبكة والكتاب والشعراء والادباء، جناح ضخم يحاكي كافة عوامل بناء الهوية الفلسطينية. تخيلوا معي جناح النكبة الذي يحوي اشكال وقصص التهجير ومصادرة الأراضي والممتلكات والمفاتيح. نسمع هناك اصوات من اصبحوا لاجئين في سجلات الأمم حتى نستوعب مشهد التهجير واللجوء وعمق الحق بالعودة لتتردد عبارة لن ننسى ولن نسمح للاحتلال بتكرار صور المذابح والتهجير والاضطهاد والظلم والعنصرية التي لحقت بالفلسطينيين.

دبلوماسياً، لا بد لنا من استثمار فرصة اعتماد الأمم المتحدة يوما لإحياء ذكرى النكبة وتحويلها لنقطة قوة من خلال دعوة الدول التي تحضر إحياء ذكرى النكبة حتى تعلن عن موقفها الداعم للشعب الفلسطيني ورفض تكرار التهجير والظلم وانهاء الاحتلال وتكريس حق الشعب في تقرير مصيره.

الرواية التي تتمكن الأمم من الترويج لها وحفرها في أذهان العالم هي ما يبقى للتاريخ، فالتاريخ يعتمد على المؤرخ، لهذا أتساءل الْيَوْمَ، ما هي الرواية التي نريد كشعب فلسطيني أن تبقى للتاريخ وما هي الطرق التي نعتمدها لترسيخ هذه الرسالة، كيف نروي للعالم قصتنا وكيف نجعل من روايتنا حقيقة راسخه في عيون وعقول الأمم؟

تصريحات وسياسات نتنياهو لتغيير الحقائق على الأرض لن تخدم السلام ولا أمان دولة الاحتلال على المدى البعيد، فيما يخص القدس، فمتحف الهولوكوست الشهير في واشنطن يشهد أنها فلسطينية حيث تجد اسم فلسطين بجانب مدينة القدس على الخارطة المعلقة على جدار المتحف بإشارة واضحة على فلسطينية القدس.

ستشارك فلسطين بإحياء الجمعية العامة ذكرى النكبة لأول مرة. في هذه المناسبة، حان الوقت لتبني ولتنفيذ فكرة متحف النكبة أو المتحف الوطني الذي يقدم الرواية الفلسطينية الكاملة تمامًا كما نريد أن ننقلها للعالم، متحف يتبنى نمط المحاكاة في السرد لترسيخ الرواية في ذاكرة الزوار، على غرار الروعة والإبداع الموجود في المتاحف الوطنية في عواصم العالم والمدن الكبرى، والذي عادة ما يكون المكان الأول الذي يزوره أي وافد ليشهد ويتعلم بصريا وسمعيا وحسيا رواية وتاريخ وحضارة وهوية وثقافة البلد بأبهى صورها كما تريد ان تترك من أثر في قلوب وعقول كل من يزورها. حان الوقت للعمل على متحف فلسطين الوطني، ليكون العنوان الأول لكل زائر لفلسطين. بعد تبني هذا المشروع الوطني، من الضروري إشراك كافة المختصين والفنانين والمبدعين لإخراج عمل عميق مدروس فني علمي وطني متقن مستدام بما يليق بالرواية الفلسطينية يتناول التسلسل التاريخي لفلسطين ويخصص فيه قسم لرواية النكبة.

المشاركة الفلسطينية في الأمم المتحدة فرصة مهمة، نتمنى ان يركز فيها العمل الدبلوماسي الفلسطيني على العديد من النقاط القانونية التي تطرقنا لها في مقال سابق بداية الشهر إضافة لتبني مشروع المتحف الوطني الفلسطيني بما يليق ويجسد رواية النضال والصمود منذ النكبة.

– د. دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

Comments are closed.