تحضيرات لتشكيل ميليشيات مسلحة من المستوطنون

بدأ المستوطنون منذ بضعة اشهر بتشكيل مليشيا مسلحة تحت مسمى “الحرس المدني” للقيام بما اسموه “عمليات تمشيط ليلية” لمساعدة جيش الاحتلال في التصدي للفلسطينيين على الطريق الذي يمر ببلدة حوارة إلى الجنوب من مدينة  نابلس.

وأوضح المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن “الحرس المدني هذا، الذي يعمل تحت سمع وبصر جيش الاحتلال وبرعايته الكاملة، هو في واقع الأمر ميليشيا مسلحة نواتها الاولى انطلقت من مستوطنة “يتسهار” إلى الجنوب من نابلس وبدأت تتمدد مستخدمة اسلحة المستوطنين الشخصية المرخصة من الادارة المدنية، وهي لا تدعي أنها بديل للجيش بل أحد أذرعه ولكن في زي مدني وتتولى تسيير دوريات ليلية على الطرق لمساعدة الجيش في مهامه.

ولا يقتصر دور هذه المليشيا على توفير الحماية لحركة المستوطنين على الطرق، كما تدعي، وهي لم تقدم ضمانات لأحد تؤكد عدم قيامها باعتداءات على الفلسطينيين، ما دفع وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف إلى الاعتراف مؤخرا وبعد سلسلة ممارسات اجرامية بأن هؤلاء المستوطنين يمارسون “إرهابا منظما” ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية خاصة بعد أن تضاعف معدل اعتداءاتهم على الفلسطينيين، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية وتخريب وحرق الممتلكات والمزارع، على مرأى من جنود الجيش الإسرائيلي.

ولفت المكتب الوطني إلى أن ظاهرة انتشار السلاح بين أيدي المستوطنين ليست ظاهرة عابرة، وتغطية جيش الاحتلال لممارسات هؤلاء المستوطنين لا تخطئها العين، بل إن استخدام مستوطنين لسلاح الجنود لإرهاب الفلسطينيين لم يعد سرا، فذلك توثقه التقارير المصورة، تماما كما كان الحال بعد قيام مستوطن بإطلاق النار من سلاح عسكري على مواطنين فلسطينيين قرب قرية التواني جنوب الخليل، في حزيران الماضي، فقد وصل المستوطن إلى المكان في جيب عسكري برفقة قوة من جيش الاحتلال وتم توثيق جريمته بشريط فيديو يظهر المستوطن وهو بملابس مدنية، ويطلق النار على الفلسطينيين من سلاح عسكري، الأمر الذي برره جيش الاحتلال بالادعاء بأن جنديا قام بإحضار مستوطن في عربة عسكرية بغرض الإرشاد ليس أكثر، وبأنه تم استدعاء الجندي للاستجواب والاستيضاح الفوري من قبل قائد اللواء بعد ان انكشف حجم التواطؤ بين الجيش والمستوطن.

وما حدث في قرية التواني لم يكن حادثا عابرا، فقد أظهر مقطع فيديو في اكتوبر الماضي مساعدة جندي إسرائيلي لمستوطن وإرشاده له في كيفية استعمال قنبلة غاز ضد الفلسطينيين في بلدة بورين جنوب نابلس، حيث يظهر مستوطنون وهم يلقون  الحجارة والقنابل اليدوية على عائلة فلسطينية خلال قطفهم للزيتون، ويسرقونه، بينما يظهر مقطع فيديو آخر جنديا إسرائيليا يسلم مستوطنا قنبلة غاز ويوجهه إلى مكان رميها.

كما ان انتشار السلاح بين أيدي المستوطنين لا يقتصر على محافظة نابلس على سبيل المثال لا الحصر، بقدر ما هو سياسة يجري التحضير لاعتمادها باعتبارها سياسة رسمية.

وفي هذا السياق، اعلان الاحتلال في نهاية تموز الماضي عن دعمه لمشروع “ماجن” الذي يستهدف تجنيد المستوطنين في القدس المحتلة وتدريبهم على حمل السلاح، مع نشر مئات الكاميرات في الشوارع والبلدات الفلسطينية لتعزيز القبضة الأمنية على المدينة.

ويقوم هذا المشروع على تشكيل مجموعات مسلحة من المستوطنين، كفرق احتياط من عناصر يجري تدريبها لمساعة الجيش أو الشرطة وكجزء من هذا المشروع سيحصل المستوطنون الذين سيتطوّعون ضمن هذه الميليشيا على موافقة سريعة للحصول على الأسلحة وتلقّي برامج تدريب، واللافت أن هذا المشروع لم يأتِ كعمل تطوعي، بل تشرف عليه بلدية القدس التابعة للاحتلال بالتعاون مع جمعية “يهودا الخالدة” ووزارة الأمن الداخلي وشرطة الاحتلال، من أجل إنشاء فصول احتياطية مجتمعية في القدس المحتلة.

وفي الاسبوع الماضي، طالب المستوطنون في الضفة جيش الاحتلال بتسليحهم ببنادق رشاشة بعيدة المدى، من طراز (إم 4) و(إم 16) وعدم الاكتفاء “بالمسدسات الخاصة”، ويدعي المستوطنون أن المسدسات الخاصة غير كافية “للدفاع عن النفس”، وأن الجيش يسمح بتسلح عناصر الحراسة داخل المستوطنات.

وتأتي مطالب المستوطنين في الوقت الذي يكثفون فيه من اعتداءاتهم اليومية على الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة، سواء على محاور الطرق، أو في كروم الزيتون، حيث يعتدون يومياً على قاطفي الزيتون عبر مجموعات منظمة ترافقها عادة قوات من الجيش، بزعم أن الأخيرة تأتي لمنع مواجهات مع الفلسطينيين، إلا أنها توفر لهم الحماية ويشارك عناصرها كما بينت تقارير مختلفة في تنفيذ الاعتداءات على الفلسطينيين.

وفي السياق، رصدت معطيات المكتب الوطني أنه منذ بداية الشهر الجاري تم تسجيل ما لا يقل عن 110 هجومات للمستوطنين ضد الفلسطينيين، نصفها وقعت فقط خلال الأيام العشرة الماضية،  وبحسب مصادر عبرية تسود حالة من القلق في أوساط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من تصاعد الجرائم التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، بما في ذلك حرق الممتلكات والاعتداءات إلى حد القتل العشوائي، في ظاهرة تكتسب زخما منذ الشهر الماضي وتحديدا في مناطق نابلس ومحيطها وغيرها من للمناطق في الضفة.

ووفقا لذلك، فإنه يتمثل أحد الجوانب المركزية للظاهرة التي تقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في أن الأحداث تنبع من مبادرة عدد كبير من الشبان اليهود المتطرفين، الذين ينفذون إجراءات يسمونها “انتقامية” ضد الفلسطينيين، الأمر الذي من شأنه أن يزعزع الاستقرار الأمني في المنطقة ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد خطير، حسب تقديرات المؤسسة الأمنية خاصة، وأن تلك الاعتداءات أصبحت مشروعة في نظر أولئك المستوطنين وهو ما يشكل اخلالا جسيما على الأمن في المنطقة.

وفي ذات السياق، قدمت لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقرير استنتاجات حول تحقيقاتها في أحداث عملية “حارس الأسوار” في أيار 2021، والتي أكدت ارتكاب إسرائيل جرائم حرب بحق الفلسطينيين.

فقد حمل التقرير إسرائيل المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة خلال تلك العملية، وركز أيضا على الإجراءات في الضفة الغربية.

وقالت نافي بيلاي رئيسة اللجنة وهي المفوض السابق لمجلس حقوق الإنسان، إن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، وسياسة إسرائيل تقوم على أساس ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأضافت بيلاي خلال كلمة لها أمام اللجنة الأممية إن “إسرائيل تؤسس الاحتلال وتنتهج سياسة الضم، وقد حان الوقت للنظر في الاحتلال في السياق الكامل ومحاسبته بعد ان اتضح ان أفعال إسرائيل في الضفة الغربية ليس المقصود منها أغراض أمنية، لكنها تستخدم كذريعة لتوسيع أطماعها.

Comments are closed.