حتى علم الفلك في سوريا لم يسلم من العقوبات الأمريكية الجائرة، فحاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحرم هواة علم الفلك السوريين من التعرف على ما هو جديد في هذا المجال المعرفي واكتشاف هذا الفضاء الذي يتوق إليه أطفال سوريا لمعرفة المزيد عنه.
ففي مقر الجمعية الفلكية السورية (SAS) في العاصمة دمشق، تقام عدة أنشطة للأطفال كل يوم تقريبا، حيث يجلب الناس أطفالهم، الذين لديهم شغف بعلم الفضاء إلى هذا المكان، للحصول على التعليم، ومشاهدة القمر والنجوم عبر أنواع مختلفة من التلسكوبات التي نصبت على سطح مبنى مقر الجمعية الفلكية الذي يطل أيضا على الحي القديم بدمشق.
وتتراوح أعمار الأطفال الذين يزورون مقر الجمعية ما بين 7 و12 عاما، وهم مفعمون بالطاقة والتصميم على التعلم وكشف أسرار الفضاء، ويقفون في طابور لاستخدام التلسكوب والنظر إلى القمر أو النجوم، بينما يشرح لهم المدربون الظواهر المختلفة التي يشاهدونها وسبب حدوثها.
وقال طارق بوعمر طالب في المرحلة الابتدائية، إنه كان دائما يهتم بالفضاء قبل أن يبدأ في حضور الدورات والأنشطة في مقر الجمعية الفلكية للحصول على المزيد من المعلومات وإرواء تعطشه للمعرفة.
أحلام طارق بوعمر أكبر من مجرد أنه يراقب الفضاء عبر التلسكوبات، حيث يرغب في الحصول على معلومات عن الشهب والحصول على قطعة من أحد النيازك ليبقى ذكرى عنده، كما يريد زيارة القمر عندما يكبر.
وقال طارق إن “حلمي هو أن أصبح طبيبا، لكنني أريد أيضا أن أدخل مجال علم الفلك، وأطمح أن أكون أول سوري يسافر ويصل إلى القمر”.
كما أعرب صديقه محمد سالم، وهو طالب آخر في المرحلة الابتدائية أيضا، عن رغبته في معرفة المزيد عن الفضاء، معبرا عن فخره بمعرفة أن بعض النجوم لها ألوان مختلفة.
وقال الطفل الصغير، “أتيت إلى هنا منذ أكثر من عام لأنني أحب علم الفلك كثيرا، أحب اكتشاف ومشاهدة الكواكب وما يدور حول مداراتها من خلال التلسكوبات”.
ولم يخف الفتى الصغير رغبته أيضا في السفر إلى كوكب المريخ لاكتشاف أسراره الغامضة.
وقالت تركية جبور المدربة المسؤولة عن مشروع ما يسمى “الفلكي الصغير”، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن “تركيزهم حاليا ينصب على توفير المعلومات للأطفال الذين لديهم الرغبة للتعرف على الأمور المتعلقة بالفضاء، لا سيما وأن المناهج السورية لا تحتوي على مواد متخصصة في هذا المجال، مما يجعل الجمعية الفلكية مصدرا مهما لتعليم ما يتعلق بالفلك”.
وأضافت أنهم من خلال الأنشطة والفعاليات التي ينظمونها يركزون على الطريقة الصحيحة لتعليم الأطفال وإعطاء المعلومات بسلاسة وبطريقة مفهومة لهم، خاصة في وقت أصبح فيه كل شيء صعبا في سوريا.
وتابعت تقول “إننا نريد أن ننشر الثقافة الفلكية في المجتمع، وأن نبني جيلا متعلما للمستقبل، وأملنا من خلال هؤلاء الأطفال”، مشيرة إلى أنه رغم كل الظروف التي مرت على سوريا خلال سنوات الحرب الا ان النشاطات لم تتوقف.
وأشارت جبور إلى أن الجمعية الفلكية السورية فازت، من خلال أنشطتها الموجهة للأطفال، بالعديد من الجوائز العالمية، خاصة للأغراض التعليمية مثل بعض التلسكوبات للأطفال وألعاب التوضيح ومع ذلك لم تتمكن الجمعية الفلكية من الحصول على الجوائز بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
وتابعت تقول ” لسوء الحظ وبسبب العقوبات المفروضة على سوريا، لم نتمكن من الحصول على مثل هذه الجوائز، وهي أدوات لدعمنا مثل التلسكوبات والأدوات التعليمية حتى نتمكن من الحصول على قدرة أفضل لتعليم الأطفال”.
وبدوره قال محمد العصيري، رئيس الجمعية الفلكية السورية، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن الجمعية الفلكية السورية حصلت على المرتبة الأولى في العديد من الأحداث الموجهة للأطفال التي وقعت خارج سوريا وفازت بالعديد من الجوائز المادية، لكننا لم نستطيع إدخالها إلى البلاد بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
وتابع يقول إن “العقوبات التي طالت أطفالنا لم تفرق بين العلم أو أي شيء آخر، يجب ألا تستهدف العقوبات المعرفة، هذا علم والجوائز كانت أشياء فنية للأطفال لذا فمن غير العدل إدراج ألعاب الأطفال في العقوبات الاقتصادية”.
وعلى سطح مقر الجمعية الفلكية، توجد قبة تغطي تلسكوبا أكبر من التلسكوب الأصغر الذي يستخدمه الأطفال والزائرون العاديون.
وقال محمد العصيري إن “الجمعية الفلكية تمكنت من شراء الجسم الرئيسي للتلسكوب بعدساته المثبتة مسبقا ومع ذلك، لا يمكن شراء القاعدة الرئيسية التي تحمل التلسكوب بسبب العقوبات، لذلك قاموا ببنائه بأنفسهم، بالإضافة إلى ذلك كان على المهندسين المحليين كتابة برامج لتشغيل التلسكوب، لأن العقوبات منعتهم من الحصول على البرنامج الأصلي”.
وأضاف أنه “في ظل العقوبات الجائرة المفروضة علينا، لم نتمكن من الحصول على البرامج اللازمة لتشغيل التلسكوبات، لذلك أنشأنا برنامجنا الخاص وتمكنا من تشغيل هذا التلسكوب وإحضاره بعد إعداد البرنامج السوري. وبالتالي، أصبحوا لا يستطيعون اخضاع هذا التلسكوب للعقوبات”.
أولئك الذين كتبوا البرنامج وشغلوا التلسكوبات هم مهندسون شباب، كانوا مدفوعين بطموحهم في التخصص في المجالات ذات الصلة بالفضاء.
وقال عمر المصري وهو طالب هندسة الكمبيوتر والأتمتة إنه يعتمد هو ومهندسون آخرون على مراجع عبر الإنترنت لتعلم طرق إصلاح الأخطاء أو الأعطال التي قد تحدث في ظل عدم وجود تصدير لقطع غيار التلسكوبات وغيرها، لأن تلك المعدات مشمولة ببند العقوبات الأمريكية.
وأضاف أنهم في بعض الأحيان يحتاجون إلى قطع غيار معينة غير موجودة في سوريا واستيرادها باهظ الثمن وغير متوفر في الغالب، مما يدفع المهندسين المحليين إلى تصميم هذه الأجزاء والدوائر في سوريا باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد أحيانا أو تعديل بعض النماذج المماثلة التي يمكن العثور عليها في السوق أو في بعض الأحيان تصميم شيء من الصفر.
وأشار إلى أنهم رغم كل الصعوبات تمكنوا من تحقيق إنجازات ملحوظة مثل أتمتة التلسكوبات (دمج الآلات في نظام التحكم الذاتي)، مشيرا إلى أن النجاح الذي تحقق جاء نتيجة جهد جماعي ومثابرة من قبل أناس يحبون الفضاء ويريدون أن تكون هذه المعرفة متوفرة في سوريا رغم العقوبات.
Comments are closed.