رصد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير لها، تعرض فلسطينيين لحالات من التمييز العنصري، حيث تتباين معاملة السلطات بين المواطنين الفلسطينيين والمواطنين اليهود في الداخل المحتل.
وتناولت مديرة مكتب الموقع البريطاني بفلسطين، لبنى مصاروة، في تقريرها مصير شبان فلسطينيين، اعتقلتهم سلطات الاحتلال عقب أحداث أيار/ مايو 2021.
وكشفت الصحفية الفلسطينية أن السلطات الاسرائيلية عاقبت شابا فلسطينيا بالسجن 10 سنوات، بتهمة المشاركة في أعمال الشغب التي نشبت عام2021، بينما أطلقت سراح الإسرائيليين اليهود.
وتاليا نص التقرير:
في شقة مستأجرة على بعد أميال من مسقط رأسه في مدينة عكا، قضى أدهم بشير أيامه الأخيرة في الحرية محاطا بأفراد عائلته وأصدقائه.
وفي أواخر الشهر الماضي، قضت محكمة محلية في حيفا بالسجن عشر سنين على المواطن الإسرائيلي الفلسطيني، بسبب مشاركته في اضطرابات شهرأيار/ مايو 2021، عندما أشعل قصف إسرائيل لقطاع غزة وانتهاكات سلطات الاحتلال في القدس موجة من الاحتجاجات العنيفة في عدد من المدن العربية اليهودية المختلطة.
وبدأ إصدار الأحكام بحق الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين، إلا أن الحكم الصادر بحق بشير كان الأطول على الإطلاق.
وأدين الشاب الفلسطيني الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، الذي يعمل حلاقا، بالضرب المبرح لرجل إسرائيلي بسبب “دوافع قومية”، وذلك في حكم قالت العائلة؛ إنه مجحف وغير متكافئ.
في مقابلة مع موقع ميدل إيست آي ليلة الجمعة، قبل أربعة أيام من الموعد المقرر لبدء سريان الحكم بحقه، قالت صابرين والدة بشير: “مازلت مصدومة بالحكم، وأشعر أنني في الجحيم. لا أدري كيف سأعود إلى البيت من دون أدهم.”
وصباح الثلاثاء، ودع بشير أهله بعاطفة جياشة ولكن بتحد بالغ، حيث تم نقله إلى السجن.
وبشير واحد من مئات المواطنين الفلسطينيين الذين ألقي القبض عليهم، ثم أدينوا منذ أن هزت أعمال الشغب إسرائيل على مدى أحد عشر يوما في العام الماضي.
وبعد الأحداث، شنت الشرطة الإسرائيلية حملة قمع واسعة النطاق بحق أولئك الذين شاركوا في أعمال العنف.
ورغم أن الإسرائيليين اليهود ارتكبوا كثيرا من الجرائم الأشد توحشا، إلا أنه تم الاستفراد بالمواطنين الفلسطينيين وخصتهم السلطات بعقوبات غير متناسبة.
ولا أدل على ذلك مما وقع لبشير، الذي صدر بحقه أعلى حكم حتى الآن، مع وجود مخاوف من أن أحكاما بمدد أطول قد تصدر بحق الآخرين، الذين مازالت المحاكم تنظر في قضاياهم.
ويرى كثيرون في ذلك محاولة أخرى من قبل السلطات الإسرائيلية لسحق الهوية الذاتية للمواطنين الفلسطينيين، من خلال عقوبات جماعية غاية في القسوة.
وتقول غدير شافعي، الناشطة في مدينة عكا: “يبعث قرار المحكمة على الذعر الشديد، ولا يترك مجالا للشك بشأن النظام القضائي الممارس للأبارتيد (الفصل العنصري)، الذي تطوره إسرائيل وتفرضه على الفلسطينيين. لقد غدا الأبارتيد أمرا مقبولا لدى عموم الناس في إسرائيل، وبات يشكل خطرا وجوديا على جميع الفلسطينيين”.
اكتساح من قبل الشرطة
ومنذ عقود، يعاني المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، الذين يشكلون ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان، من وطأة قوانين وممارسات تميز ضدهم.
بعد دهر من التجاهل والتهميش، انفجرت إحباطاتهم في أيار/ مايو 2021 على إثر انتشار الاحتجاجات الجماعية في مختلف أنحاء فلسطين وإسرائيل؛ رفضا لقصف غزة واجتياح الشرطة للمسجد الأقصى والتهديد بطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس.
وخلال أحد عشر يوما من الاضطرابات، هاجمت عصابات القوميين المتطرفين الإسرائيليين السكان الفلسطينيين في العديد من المدن الإسرائيلية، مما أفضى إلى اندلاع عنف مجتمعي وإلى قمع الشرطة للفلسطينيين.
وفي الليلة الأولى من الاحتجاجات، قُتل موسى حسونة حين أطلق إسرائيليون يشاركون في أعمال الشغب النار عليه في اللد.
وبعد ليلتين اثنتين، هوجم رجل إسرائيلي داخل سيارته عند إحدى التقاطعات من قبل مجموعة من الفلسطينيين في عكا، المدينة التي شهدت أسوأ أحداث العنف، كما أصيب مور جاناشفيلي الذي يبلغ من العمر ثلاثين عاما بجراح خطيرة وأدخل المستشفى.
وألقي القبض على ثمانية أشخاص بعد الحادثة وكان بشير واحدا منهم.
وفي الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أدانته المحكمة المحلية في حيفا بالشغب وبتهمتين تصنفان على أنهما من أعمال الإرهاب: الاعتداء الكبير والتسبب في إصابة بليغة في ظروف مستحكمة.
وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات، مع دفع غرامة تبلغ 150 ألف شيكل (ما يعادل حوالي 44 ألف دولار أمريكي) للضحية في الهجوم، وذلك بعد أن اعترف بالجرم ضمن صفقة اعتراف تم الاتفاق عليها.
ومازال ستة أشخاص آخرون ينتظرون النطق بالحكم في القضية نفسها.
وهناك شخص آخر اسمه بلال الحلواني حكم عليه بالسجن لسنة واحدة؛ لمشاركته في أعمال الشغب.
وأفاد بشير لموقع “ميدل إيست آي” بأنه خرج في ذلك اليوم عندما شاهد وقوع حادث مروري، وبأنه لم يكن ينوي إيذاء أحد.
وقال بشير: “ما تزعمه الشرطة غير صحيح. لم أشارك في أي اعتداء على أحد. لقد كانت تلك محاكمة عبر الإعلام، تخللتها حملة كبيرة من التحريض ضدي، ولم أكن سوى كبش فداء.”
وفي الثاني عشر من أيار/ مايو الماضي، ألقي القبض على بشير بعد الهجوم، حيث أمضى أكثر من أربعين يوما وهو رهن التحقيقات التي قال؛ إنها كانت تجري على يد وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية، الشين بيت، واشتملت على العديد من الانتهاكات لحقوقه الأساسية.
وقال: “منعوني من الحصول على محامي، وعزلوني تماما عن العالم، ولم أر المحامي إلا مرة واحدة خلال اثنين وأربعين يوما، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر، ولمدة قصيرة جدا.”
وأضاف: “تعرضت للضغط وسوء المعاملة. بصقوا علي، وحرموني من الطعام والسجائر، وشتموا أمي وأختي بألفاظ لا يمكنني تكرارها. كانوا يريدون كسري”.
“لقد دمروا حياته”
وفي الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2021، وجهت لبشير التهم بشكل رسمي، وتم ترحيله إلى شفا عمرو، وهي مدينة تبعد عن عكا ما يقرب من عشرين كيلومترا إلى الجنوب، ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى انتهاء الإجراءات القانونية.
وبعد ما يقرب من سنة ونصف، جاء الحكم عليه صاعقا لعائلته، وبشكل خاص لوالدته، التي انتقلت معه إلى شفا عمرو في أثناء وجوده تحت الإقامة الجبرية.
وقالت صابرين في تصريح لموقع “ميدل إيست آي” والدموع تنهمر من عينيها: “لقد أصبحت أكثر تعلقا به.. مازلت لا أستوعب كيف سيأخذونه بعيدا عني ويحرمونني منه.”
وبينما كان تحت الإقامة الجبرية، أجبر بشير على التخلي عن عمله في صالون الحلاقة، كما اضطر إلى إلغاء خططه للزواج، بعد أن أنفق ما يزيد عن خمسمائة ألف شيكل من مدخراته على دفع تكاليف الإجراءات القانونية وعلى تعويض الضحية.
وبل حاول إقناع خطيبته، التي اقترن بها منذ عامين، بفسخ الخطوبة، ولكنها تصر على انتظاره.
وفي داخل منزلهم في شفا عمرو، جلس والد بشير، وصورة الخطيبين معلقة خلفه على الجدار، يندب ما تعرض له ولده من محنة.
وقال سمير في تصريح لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد دمروا حياته.. ولكننا لن نبقى صامتين، فهم يريدون تحطيم شبابنا.. إذا ما ثبت الحكم الصادر بحق أدهم، فإن ذلك سيكون بمنزلة نقطة تحول بالنسبة للشباب الفلسطينيين.”
ويقول سمير؛ إن العائلة سوف تستأنف ضد القرار وسوف تناضل ضده حتى النهاية.
وتقول العائلة؛ إن الأحكام الطويلة والمبالغ بها، إنما يقصد منها ردع الشباب الفلسطينيين عن المشاركة السياسية.
وبعد أحداث الشغب التي وقعت في عام 2021، ألقي القبض على مئات المواطنين الفلسطينيين في حملة من الاعتقالات الجماعية، وصفتها الشرطة بأنها حملة “القانون والنظام”.
وتشير أرقام التوقيفات والاتهامات أن الحملة استهدفت الفلسطينيين بشكل خاص وبأسلوب غير متكافئ.
بحلول حزيران/يونيو من العام 2021، ألقت إسرائيل القبض على 2150 شخصا، 91 بالمائة منهم كانوا مواطنين فلسطينيين في إسرائيل.
ومنذ نيسان/ ابريل 2022، أصدر مكتب مدعي عام الدولة 397 لائحة اتهام ضد 616 متهما كان 545 منهم من المواطنين الفلسطينيين، بما في ذلك 161 طفلا.
وبلغ عدد من وجهت لهم تهم من داخل عكا وحدها 33 شخصا.
وصدر بحق العديد منهم أحكام بالسجن تصل إلى سبع سنين، ومازال الكثيرون ينتظرون معرفة مصيرهم، فالتوقيفات والتحقيقات والمحاكمات مازالت سارية.
إجراءات شرطية تمييزية
ولا يوجد أدل على التمييز في تعامل الشرطة والمحاكم من انخفاض الأحكام التي صدرت بحق الإسرائيليين اليهود، مقارنة مع المواطنين الفلسطينيين، كما تقول عائلة بشير.
وفي واحدة من أشد الحوادث عنفا ضمن أحداث الشغب التي اندلعت في أيار/مايو الماضي، تم تصوير عشرات الإسرائيليين وهم يهاجمون ويجرحون المواطن الفلسطيني سعيد موسى، في حي بات يام داخل مدينة تل أبيب.
ولم توجه التهمة في ذلك الاعتداء إلا لسبعة من الإسرائيليين، أبرم ثلاثة منهم صفقات اعتراف حتى الآن، قضى أحدهم حكما بالسجن لعشرين شهرا، وقضى آخر حكما بالسجن لخمسة عشر شهرا، بينما مازال الآخرون ينتظرون صدور الأحكام بحقهم.
وفي قضية موسى حسونة، الذي يقال إنه قتل رميا بالرصاص على يد خمسة من الإسرائيليين يوم الحادي عشر من أيار/مايو، فلم توجه لأحد أي تهم رسمية.
وأغلقت الشرطة ملف التحقيق في قتله، وقالت إن المتهمين أطلقوا النار عليه دفاعا عن النفس.
إلا أن مقطعا مصورا حصلت عليه في وقت مبكر من هذا العام مجموعة “عدالة”، وهي منظمة قانونية غير حكومية، يثبت أن ضغوطا سياسية مورست على الشرطة حتى تسقط القضية.
وكانت الشرطة قد قتلت مواطنا فلسطينيا آخر اسمه محمد كيوان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما، إلا أنه لم يتم توجيه تهم لأي من الضباط، حيث خلص تحقيق داخلي أجرته الشرطة إلى أن إطلاق النار كان “مبررا”.
وتوفي رجلان يهوديان أيضا في أحداث العنف، أحدهما، واسمه ييغال يهوشوا ويبلغ من العمر 56 عاما، قضى نحبه متأثرا بجراح، أصيب بها بعد أن ألقت مجموعة من الفلسطينيين الحجارة عليه. وجهت لسبعة من الفلسطينيين تهمة القتل العمد في قضيته.
وأما الآخر، واسمه آبي هار إيفن، ويبلغ من العمر 84 عاما، فمات في هجوم نجم عنه اندلاع حريق في فندق داخل مدينة عكا. وجهت لسبعة فلسطينيين تهم بالحرق العمد، وغير ذلك من أعمال الشغب.
وصفت عايدة توما سليمان، عضو البرلمان عن حزب حداش اليساري ذي الأغلبية الفلسطينية، الحكم الصادر على بشير بأنه “صاعق”. فعلى الرغم من أن التمييز الذي تمارسه الشرطة ضد المواطنين الفلسطينيين مستمر منذ عقود، إلا أن الحكم الذي صدر ضد بشير كان صادما جدا.
وقالت عايدة في تصريح لموقع ميدل إيست آي؛ إن “هذه قضية سياسية، فالجهة التي حققت مع هؤلاء الشباب كانت جهاز الشين بيت وليس الشرطة، وكانت الأوامر التي صدرت لهم تقضي بتوجيه تهم الإرهاب لهؤلاء الناس.”
ومن هنا، جاء اتهام منظمات حقوق الإنسان للسلطات الإسرائيلية بأنها تمارس التمييز في العمل الشرطي ضد الفلسطينيين، وبأنها منذ الأحداث التي وقعت في 2021 تستهدفهم بشكل خاص وبأسلوب غير متكافئ.
وتقول عايدة توما سليمان؛ إنه في مواجهة هذه السياسات العدوانية، فإن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يحتاج لأن يتعاضد ويتعاون ويعمل أفراده معا من أجل الحفاظ على وجودهم.
وتضيف: “يجب على مجتمعنا أن ينظم نفسه على المستويات السياسية والشعبية والوطنية. فنحن نتكلم هنا عن مرحلة من الفاشية الصريحة.”
وبالنسبة لقضية بشير، ترى عايدة توما سليمان أنه يتوجب عليه الاستئناف، ولكنها تستدرك قائلة: “ولكني أشك في أنه سيحصل على العدالة في هذا النظام الجائر. لا يمكن لنظام يحكم على اليهودي بالسجن عشرين شهرا، بينما يحكم على الفلسطيني بالسجن عشر سنين، أن يكون نظاما عادلا ونزيها.”
وتقول عضو البرلمان؛ إن الناس باتت تخشى الآن من أن الحكومة الجديدة ذات التوجه اليميني سوف تستغل صلاحياتها للدفع باتجاه إصدار عقوبات أقسى بحق الفلسطينيين، الذين مازالوا ينتظرون إصدار الأحكام في قضاياهم.
وتخشى أن تصدر بحق المتهمين في قضية بشير أحكام بالسجن لمدد أطول.
وتقول: “هذه محاولة للردع الجماعي. إنهم يريدون أن يدفع شبابنا الثمن”.
Comments are closed.