نظرة من معهد بيغن – السادات – بقلم: د. دورون مصا “بعد سنوات طويلة من الهدوء، ها هي حدود لبنان تسخن. تقف إسرائيل أمام منزلق سلس قد يرميها في مواجهة مع الجهة التي ربما لن تكون هي المسؤولة بشكل مباشر عن تسخين الجبهة. فرشقة النار الأخيرة نحو الشمال وإن كان نفذها “حزب الله”، إلا أنها كانت رداً على هجوم واسع نفذه سلاح الجو في جنوب لبنان (5 آب) كرد على ثلاثة أحداث متراكمة من إطلاق الصواريخ نحو الجليل.
حتى لو كان الرد الإسرائيلي هو العمل الصحيح، فهو ليس في المكان الصحيح. وبالأساس ليس موجهاً نحو الجهات الصحيحة. فمن وقف خلف إطلاق الصواريخ الذي تم لأول مرة في أثناء حملة “حارس الأسوار” هي جهات فلسطينية، وتحديداً خلايا حماس في جنوب لبنان. ويدل هذا الموضوع على تغيير عميق يجري في المفهوم الإرهابي للمنظمة، والتي لأول توسع نشاطها الإرهابي مرة منذ قيامها إلى خارج الساحة الجغرافية المحلية نحو أراضي الدولة العربية المجاورة، مثل نشاط م.ت.ف في الستينيات والسبعينيات.
ينبع هذا الميل من سببين، الأول عملياتي: فمنذ حرب غزة في أيار 2021 تجد حماس صعوبة في إنتاج نشاط إرهابي تجاه إسرائيل من أراضي القطاع في الأشكال المعروفة للبالونات المتفجرة والنار الصاروخية التي من شأنها أن تكشفها لرد فعل إسرائيلي ومما يخرب على إعمار القطاع. أما نقل ساحة القتال إلى لبنان، فيمنح حماس نوعاً من “القبة الحديدية” ضد رد فعل إسرائيلي.
السبب الثاني استراتيجي: فمنذ حملة “حارس الأسوار” تبنت حماس مفهوماً يسعى إلى إخراج النزاع من السياق المحلي إلى السياق الواسع لمواجهة إقليمية تقف فيها الحركة كحجر زاوية في منظومة “المقاومة” في الشرق الأوسط كله، بل وتخوضه باسم رموز فوق وطنية مثل الكفاح في سبيل القدس.
هذا تطور خطير يدل على تغييرات في فكر المقاومة لدى حماس، فما بالك في المعطيات الحالية لتفكك الدولة اللبنانية وضعف مراكز القوة المركزية هناك!
هذا الواقع يجعل لبنان ساحة فوضى مثلما أصبحت عليه سوريا قبل نحو عقد، ويخلق شروطاً على الأرض تسمح لحماس في السير خطوة إلى الأمام في تحقيق “المنطق في توسيع النشاط العملياتي والاستراتيجي لها إلى ما وراء الساحة الغزية.
صحيح أنه ليس واضحا بعد مدى توجيه محافل القطاع لنشاط خلايا النار من لبنان، ولكن يبرز انطباع أنه سيصعب على إسرائيل، ولا سيما في مرآة الواقع الناشئة في هذه الدولة، قطع عملية تسخين الجبهة من خلال مراسلة عسكرية وسياسية مع “حزب الله” وحكومة لبنان. فهما ذات صلة أقل.
العنوان الحقيقي لإدارة الحدث هو منظمة حماس، وتلك التي في قطاع غزة. ويمكن من خلالها الإمساك بخيطان الدمية التي تمد أذرعها في لبنان أيضاً. مطلوب من إسرائيل أن تثبت معادلة جديدة تقضي بأن غياب الهدوء في الشمال سيجاب بانعدام الهدوء في القطاع، حيث مركز الأعصاب السياسي والاجتماعي والعملياتي لحماس.
كل منطق آخر يقوم على أساس ردود فعل غير فاعلة وغير مركزة في أراضي لبنان، والتي تستهدف “الإشارة” لمن هو غير قادر على العمل في الظروف الراهنة السائدة في هذه الدولة، فإنه سيكون وصفة مؤكدة لتحويل شمال الدولة إلى ساحة المواجهة الدامية التالية.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.