هآرتس – بقلم: لي – أون هدار “لا حاجة لإجراء بحث اقتصادي شامل لنستنتج بأن كتالونيا وأسكتلندا قصتا نجاح لعهد العولمة وتطور الاتحاد الأوروبي. من زار برشلونة يعرف بأنها تحولت إلى مركز تجاري دولي ينافس باريس كبؤرة للسياحة، وينافس كاليفورنيا كقاعدة للمشاريع الرائدة، وفيها سكان شباب ومثقفون ومنظومة تعليم ممتازة. كما تتمتع أسكتلندا أيضاً بنهضة اقتصادية وتكنولوجية الآن.
هذا يورطنا مع التناقض المعرفي التالي: إحدى الحقائق المقبولة التي رافقتنا في السنوات الأخيرة عند صعود اليمين الشعبوي هي أن التراجع الاقتصادي وانخفاض مستوى معيشة الطبقة الوسطى، تخلق توتراً اجتماعياً يؤدي إلى تطرف سياسي، بما في ذلك إحياء الهويات القومية، وتعزيز الحركات القومية المتطرفة. ولكن الضغط باتجاه تقرير المصير القومي والحكم الذاتي والاستقلال في كتالونيا وأسكتلندا، تعزز في الفترة التي حظيت فيها هاتان المنطقتان بازدهار اقتصادي وارتفاع باهر في مستوى المعيشة، حيث كان أبناء الطبقة الوسطى من بين المؤيدين المتحمسين للانفصال عن إسبانيا وعن بريطانيا.
لشديد المفارقة، أحد أسباب ضغط الكتالونيين والأسكتلنديين من أجل الاستقلال، أنهم توصلوا إلى استنتاج بأن الإسبان والبريطانيين يستغلونهم اقتصادياً، وأنهم يتمتعون بأفضلية عليهم بعد الانفصال.
بنظرة إلى الوراء، يبدو أن المحللين السياسيين على أنواعهم مالوا للربط، خطأ، بين عملية تعزز الشعبوية الموجهة ضد النخب السياسية والاجتماعية وظاهرة أخرى ببعث الهويات القومية والعرقية التي حدثت في مناطق ودول ارتفع اقتصادها ووصل إلى مستويات جديدة في السنوات الأخيرة، كما في كتالونيا وأسكتلندا وتركيا والهند والصين وإسرائيل وهنغاريا وبولندا، وجميعها دول نخب تبنت الروح الوطنية فيها بحماسة.
من هنا، فإن فكرة “السلام الاقتصادي” -التي يطورها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، والتي ستشكل بحسبها تطوراً اقتصادياً متسارعاً وارتفاعاً في مستوى المعيشة- ستخلق نوعاً من الأجسام المضادة التي ستحيد التطلع الفلسطيني إلى الاستقلال السياسي، وهي الفكرة ترتكز على فرضية خاطئة. هذه الفرضية تعارض القيم التي تواصل توجيه الحركة الصهيونية، التي بحسبها يجب على يهود العالم أن يتركوا “طنجرة اللحم” لدى الغرب والهجرة إلى إسرائيل، التي يعدّ فيها مستوى الحياة غير مرتفع مثلما في أمريكا أو أوروبا، لكن يمكنهم تحقيق تطلعاتهم القومية هنا. لكن الشقة الفاخرة والوظيفة الجيدة لن تشكل بديلاً للحياة في دولة مستقلة.
ليس مطلوباً من بينيت السفر إلى كتالونيا أو اسكتلندا لإعادة اختبار فرضيته. “لا أحد ينفي حقيقة أن المواطنين العرب يتمتعون بتحسين كبير في وضعهم الاقتصادي ومستوى معيشتهم منذ إقامة الدولة. رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، اجتاز عرب إسرائيل عملية تطرف وطني وديني. لقب في الطب أو الهندسة وشروط اقتصادية جيدة يمكنها أن تسير إلى جانب عملية “فلسطنة” و”أسلمة”. التعليم والأمن الاقتصادي بالتحديد يشجعان العودة إلى المصادر الثقافية والتاريخية لمجتمعهم. هذا يفسر، ضمن أمور أخرى، سبب تشكل أبناء الطبقات المثقفة والثرية قوة ديناميكية في الحركات القومية المختلفة. في نهاية المطاف، المليونير أسامة بن لادن، وليس شخص يمين فقير من ضواحي صنعاء، هو من كان قد أسس حركة إرهابية إسلامية.
كما هو معروف، التطوير الاقتصادي للضفة وخلق مصادر رزق للسكان الفلسطينيين هي أهداف إيجابية بحد ذاتها. ولكن على بينيت أن يفهم بأن هذا لن يحل محل عملية سياسية ستؤدي إلى تقرير مصير قومي. في زمن لا يملك الحطابون وقتاً للانشغال بالسياسة، فإن من سيتمتعون بالاستقلال الاقتصادي سيكون لديهم دافع أكبر للنضال من أجل الاستقلال السياسي. صرح بينيت أيضاً بأنه معني بـ “حكم ذاتي شامل” للفلسطينيين، إضافة إلى السلام الاقتصادي. هذا يبدو مثل “الدولة التي في الطريق”، التي احتفل بها الاستيطان العبري في أرض إسرائيل في السنوات الأخيرة للانتداب البريطاني – حكم ذاتي سياسي واقتصادي مكن الحركة الصهيونية من بلورة المؤسسات الوطنية وزيادة الضغط الدولي على بريطانيا لمغادرة فلسطين (أرض إسرائيل).
إن تبني سياسة السلام الاقتصادي والحكم الذاتي الشامل، سيمكن رئيس حكومة إسرائيل الذي هو معني بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، من دفع حل الدولتين قدماً. وهو حتى، يمكنه القول بأن إسرائيل ستحصل على ميزة اقتصادية مثل كتالونيا وأسكتلندا بعد تخفيف عبء سيطرتها على الضفة. المفارقة هي أن رئيس الحكومة الحالي يعارض بشدة فكرة الاستقلال الوطني الفلسطيني، ويعارض انسحاب إسرائيل من الضفة. ويجد صعوبة كما يبدو في الفهم بأن “نصف الحل” غير عملي. وإذا كان يستعد لتطبيق برامج الاستقلال الاقتصادي والحكم الذاتي الشامل، فمن شأنه أن يتحول إلى قابلة قانونية للصيغة الفلسطينية لـ “الدولة التي في الطريق”.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.