نشرت صحيفة “اندبندنت” تقريرا للمعلقة راشيل شابي قالت فيه إن موقف حزب العمال البريطاني المتغير من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني تحرك غير صحيح للحزب. فمن الأهمية بمكان أن يترادف كفاح الحزب ضد معاداة السامية مع الكفاح الدولي لحقوق الفلسطينيين.
وقالت إن زعيم العمال كير ستارمر ألقى في الشهر الماضي خطابا أمام مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال في الغداء السنوي الذي تعقده المجموعة، واستشهد فيه بكلام رئيس الوزراء السابق هارولد ويلسون في أثناء الستينات من القرن الماضي وقال فيه إن الديمقراطيين الاشتراكيين في إسرائيل “جعلوا الصحراء تزهر”، وهو تصريح لفت الانتباه. فالعبارة هي اسطورة استعمارية تصور الفلسطينيين الذين يعيشون على أراضيهم منذ أزمنة طويلة بالمتخلفين وغير القادرين على فلاحة أرضهم “هل يتذكر أحد برتقال يافا؟”.
وإلى جانب العناصر المثيرة للقلق الأخرى في خطاب ستارمر فإنها تثير النقد وتقرع أجراس الإنذار وسط حركة التضامن مع الفلسطينيين ودعاة السلام والمناصرين اليهود الذين يتساءلون الآن عن المسار الذي يمضي فيه حزب العمال من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولكي نضع هذا في السياق، من الإنصاف القول “إلى أين يقود هذا؟” هو سؤال يطرح في كل سياسة يحركها ستارمر في عدد من المجالات، المحلية والدولية.
والسؤال داخل أوساط اليسار في حزبه ينبع من قيادة حزب العمال التي تقوم بإعادة توزيع الأجندة السياسية وتجريد الحزب من منبر سياسي قائم على الحقوق الدولية وتدفعه الواجبات الأخلاقية. وعليه، فعندما يتعلق الأمر بموقفه من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني فإنك ترى أن يسير بطريقة متعثرة.
وهناك بعد إضافي، لهذه السياسة: فستارمر، يقوم وبشكل مبرر بمواجهة معاداة السامية التي انتشرت في الحزب أثناء قيادة جيرمي كوربن. ولكن لو تساهلنا في موقف القائد الفاشل في تحريك المسار بهذا المجال، فلا يزال خطأ، ليس فيما يتعلق بسياسات إسرائيل والكفاح الفلسطيني ولكن في مكافحة معاداة السامية. فالإشارات مثيرة للقلق في كل خطابه لمجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، ولا تعطي صورة عن صحراء مزهرة.
وأخبر المناصرون اليهود الكاتبة أنهم شعروا بالرعب من تخصيص ستارمر معظم خطابه لمعاداة السامية داخل حزب العمال، وهو موضوع مهم وضروري ولكن الإطالة بالحديث عنها كما فعل تصلح لأن يكون خطبة في معبد أمام مصلين أو أعضاء يهود في حزب العمال. ومن خلال تركيزه في الخطاب على أصدقاء إسرائيل في حزب العمال فهناك مخاطر من خلطه بين الجالية اليهودية في بريطانيا وإسرائيل.
واحتوى الخطاب على الكثير من الإشارات المتعلقة بـ”معاداة الصهيونية السامية”، وهذا ضوء أحمر، لأن أي نقد للصهيونية لا ينطوي على معاداة للسامية. وبدون توضيح لكلامه فإن ستارمر يخاطر بحرمان الفلسطينيين من أي وسيلة لوصف تجربتهم الخاصة مع الاحتلال القمعي لهم. وأكثر من هذا فوضع كل نقد الصهيونية في سلة معاداة السامية هو نهج مثير للخوف لمن يكافح العنصرية الخبيثة المعادية لليهود.
وقضى الناشطون التقدميون اليهود عقودا لتوضيح أن من المشروع معاداة سياسات إسرائيل بدون اللجوء إلى لغة معاداة السامية، وهو عمل جاد يجب ألا يقوم أي زعيم للعمال بإلغائه. وكانت إساءة الفهم واضحة والتصنيف باد من الموقف الذي تعرضت إليه السفيرة الإسرائيلية في لندن تسيبي حوتوفلي أثناء مشاركتها في مناسبة بمدرسة لندن للاقتصاد الشهر الماضي. فهي سياسية سابقة ولديها مواقف دينية متطرفة وآراء أكثر تطرفا، فقد وصفت النكبة الفلسطينية بـ”الكذبة العربية” ولا تؤمن بحل الدولتين للنزاع. وقالت عندما كانت نائبة لوزير الخارجية “هذه الأرض لنا، كلها لنا”.
فأن يهاجم حزب العمال احتجاجا مشروعا أمام مدرسة لندن للاقتصاد، في وقت تحاول فيه حكومة المحافظين تمرير قانون يجرم الاحتجاجات، أمر سيء. بل ووصف الاحتجاجات بأنها معادية للسامية كما فعل وزير الظل، هو خطأ وبطريقة صادمة. وهذا يثير الحيرة من عدم قدرة قيادة حزب العمال التفريق بين المعتقدات السياسية المعارضة التي قد يؤمن بها شخص يهودي ومعاداة السامية الحقيقية.
وإذا كانت قيادة حزب العمال جادة في القضاء على معاداة السامية، فعليها أن تقوم بهذا بنزاهة لا تتزعزع بما في ذلك المواقف السياسية التقدمية ونقد حقوق الإنسان للاحتلال الإسرائيلي وانتهاكات القانون الدولي. ومن الطبيعي أن يعمل حزب العمال مع المنظمات المجتمعية اليهودية لمواجهة معاداة السامية داخل الحزب، لكن على القيادة فهم أن هذه المنظمات قد تقوم بتبني مواقف متعارضة مع سياسات الحزب وهذا أمر جيد.
وبعد كل هذا، فقد اتخذ زعيم الحزب السابق إد ميليباند، وهو نجل ناج من الهولوكوست مواقف متعارضة مع مجلس الممثلين اليهود في بريطانيا عندما انتقد الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014. ودعا أفراد حزبه لدعم مشروع قرار للدولة الفلسطينية والذي تم تمريره بغالبية مطلقة. ولم يغلق هذا الباب أمام تعامل ميليباند مع المجتمع اليهودي في عدد من القضايا، بما في ذلك معاداة السامية.
وكما اتخذ الحزب مواقف مثيرة للجدل في قضايا متعددة، فهناك مخاطر من اتخاذ الحزب مواقف رجعية تجاه النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في وقت تزداد فيه الوقائع على الأرض سوءا. وفي بداية هذا العام نشرت منظمة حقوق الإنسان بيتسليم تقريرا قالت فيه إن “شروط تعريف نظام التمييز العنصري باتت تنطبق على النظام الإسرائيلي”، وأكدت منظمة هيومان رايتس الأمريكية على هذا بتقرير أعدته في نيسان/ إبريل، وكذا معظم مجتمع حقوق الإنسان.
وتقوم الأجيال الجديدة التي استلهمت كفاح حركة “حياة السود مهمة” بالمقارنة بين نظامي القمع وبدعم الحق الفلسطيني بالحرية والمساواة. ويقوم جيل من اليهود الأمريكيين بتحدي فكرة دعم الحزبين لإسرائيل. و”أخبرني الناشطون أن قيادة حزب العمال تساعد في جعل القضية الفلسطينية غير ظاهرة، ومن المهم أن تتماشى معركة معاداة السامية جنبا إلى جنب الكفاح العالمي للحقوق الفلسطينية. ويجب التفريق بين هذين الموضوعين أو تضادهما وبخاصة من حزب يساري بريطانيا”.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.