على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يستقيل – أو أن تتم الإطاحة به

رام الله نيوز 

على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يستقيل – أو أن تتم الإطاحة به

البرفسور / بشارة بحبح
الأستاذ السابق في جامعة هارفرد .

دعا الرئيس الفلسطيني المسن وغير الفعال والفاسد والسلطوي أخيرًا إلى إجراء انتخابات ومجموعة غير مسبوقة من المرشحين ينافسونه بشراسة، لكن فرصة رحيله بهدوء ضئيلة

انتظر محمود عباس لأكثر من عقد من الزمن قبل أن يدعو إلى عقد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني والانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. ومن المفارقات أنه من المرجح أن تأتي تلك الانتخابات المخطط لها بنتائج عكسية وتسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه للديمقراطية الفلسطينية.
هذا ليس لأن الانتخابات والديمقراطية سيئين للفلسطينيين، لكن التوقيت مروع: يمكن للانتخابات أن تعرض إمكانية استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة بعد ترامب للخطر، وقد تؤدي إلى تجميد أعمق لعملية السلام وقد تؤدي إلى تفكك فتح.
علاوة على ذلك، من المقرر إجراء الانتخابات في خضم الوباء المستعر الذي يتعامل معه عباس بشكل سيئ: فشله في تأمين اللقاحات للفلسطينيين بجهوده الخاصة وأيضًا فشله في إجبار إسرائيل على تحمل مسؤولية تأمين اللقاح للفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي وذلك وفقًا لاتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن الدولي وقوانين حقوق الإنسان.
عند اقتراب موعد الانتخابات، إذا شعر عباس أنه قد يفقد سيطرته الثلاثية على فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيمكنه إلغاء التزامه الأخير بالانتخابات من أجل البقاء في السلطة دون تفويض.
وفي الواقع، منذ انتخابه رئيسًا للسلطة الفلسطينية عام 2005، كانت تصرفات محمود عباس هي التي أضرت بالديمقراطية الفلسطينية أكثر من غيرها.
على الرغم من انتهاء ولاية عباس الرئاسية في 9 يناير 2009، فقد تم تمديدها لاحقًا إلى أجل غير مسمى من قبل اللجنة المركزية لحركة فتح، وحوّل عباس السلطة الفلسطينية إلى ديكتاتورية وتجاوز المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تم تعليق أنشطته بعد فترة وجيزة من هزيمة فتح في غزة عام 2007، وبدأ الحكم بمرسوم رئاسي ورفض منذ ذلك الحين الدعوة لعقد انتخابات جديدة ولم يدع لعقدها إلا قبل شهرين فقط.
في ذلك الوقت، همش عباس منظمة التحرير الفلسطينية، وهي أعلى هيئة لصنع القرار السياسي للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وأضعف مؤسساتها السياسية والعسكرية، واستنفد مصادر المنظمة المالية المستقلة من أجل دعم السلطة الفلسطينية، وهي هيئة صنع السياسات للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية والتي تمخضت عن اتفاقيات أوسلو البائدة الآن.
تتسبب نية عباس الحالية للترشح مرة أخرى لرئاسة السلطة الفلسطينية في سن الخامسة والثمانين في تشنجات داخل فتح وتؤدي إلى انقسامها إلى ثلاث فصائل بالإضافة إلى فصيل مستقل. قد يشير هذا إلى نهاية هيمنة فتح على المؤسسات السياسية الفلسطينية كما نعرفها اليوم.
أدى الانقسام المدمر بين حماس وفتح منذ 2006-2007 إلى انقسام على المستويات المادية والسياسية والمالية والدبلوماسية بين غزة والضفة الغربية. ونتيجة لذلك، وجدت المؤسسة السياسية الإسرائيلية اليمينية بشكل متزايد بقيادة بنيامين نتنياهو، ذرائع لتأخير تنفيذ اتفاقيات أوسلو لعام 1993 بحجة عدم وجود قيادة فلسطينية يمكن التفاوض معها.
استبداد عباس وعدم تسامحه مع النقد يؤدي إلى تقسيم فتح إلى ثلاث أو أربع فصائل.
وعلى الرغم من التطمينات من رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وآخرها في اجتماع على تطبيق Zoom مع شخصيات أمريكية فلسطينية كنت قد حضرته، أن أي فلسطيني يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكنه تشكيل قائمة من 16 مرشحًا طالما أنه سيدفع وديعة وأنه لم تتم إدانته في المحاكم الفلسطينية، لكن الواقع مختلف قليلاً.
الفصيل الأول يقوده عباس نفسه وأربعة من خلفاءه وهم الأمين العام لحركة فتح جبريل الرجوب ورئيس قوات الأمن الفلسطينية والمسؤول عن التنسيق الأمني مع إسرائيل ماجد فرج والوزير المكلف بتنسيق الشؤون المدنية مع اسرائيل حسين الشيخ واشتية المتفائل بأنه سيخلف عباس في منصب رئيس السلطة الفلسطينية.
التحدي الأكبر يأتي من مروان البرغوثي وناصر القدوة، فخوف عباس من مروان البرغوثي دفع صديقه المقرب حسين الشيخ لزيارة البرغوثي في السجن وتقديم عرض له يكون بموجبه على رأس قائمة فتح مع 10 أشخاص يرشحهم، لكن البرغوثي رفض العرض.
ناصر القدوة، ابن شقيق ياسر عرفات، وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق وممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى الأمم المتحدة منذ فترة طويلة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أعلن حينها (بشجاعة إلى حد ما) أنه سيشكل قائمة فتحاوية لدعم مروان البرغوثي، لكن اللجنة المركزية فصلته بعد فترة وجيزة.
وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، البرغوثي لديه أفضل فرصة للتغلب على عباس أو مرشح حماس، على الأرجح إسماعيل هنية، ويفوز برئاسة السلطة الفلسطينية، وحقيقة أنه يجلس في سجن إسرائيلي محكوم عليه بالسجن المؤبد لن يمنعه من المشاركة في الاقتراع، وقد يؤدي فوزه إلى ممارسة ضغوط دولية كافية لإطلاق سراحه.
يتزعم الفصيل الثالث محمد دحلان، خصم عباس والمسؤول الكبير السابق في فتح الذي يعيش الآن في المنفى الاختياري في الإمارات العربية المتحدة، وقد تم استبعاده من الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية بحجة ملفقة وهي إدانته من قبل محكمة فلسطينية في قضية يُعتقد على نطاق واسع أن عباس اختلقها.
لكن دحلان يخطط لتقديم قائمة “تيار الإصلاح الديمقراطي” التي من المرجح أن تحظى بدعم كبير من زملائه في غزة – مدنيين ومسؤولين أمنيين سابقين والعديد من سكان مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية.
أدين دحلان بتهم الفساد واختلاس الأموال ثم طرد من فتح دون أي دليل. ومهما كانت الأموال التي جمعها دحلان الآن، فإن الفضل في ذلك يعود إلى عمله مع الشيخ محمد بن زايد.
أما أبناء عباس فقد جمعوا أكثر من مليار دولار في شكل أصول مودعة في البنوك واستثمارات في جميع أنحاء العالم، وهذه الأموال مصدرها من شركات فلسطينية مستفيدة من الخدمات المقدمة للفلسطينيين. من الذي كان يجب إدانته بتهمة الاختلاس – دحلان أم عباس بفضل محاباته لأقاربه؟
في لقاء على تطبيق Zoom استضافته جامعة بيرزيت، أعلن ناصر القدوة أن دحلان شخصًا غير مرغوب فيه في قائمته المشتركة مع مروان البرغوثي: دحلان ساعد في تسهيل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وهذا برأيه عمل يجعله غير مؤهل.
كدبلوماسي ماهر، يجب أن يعرف القدوة بشكل أفضل أنه لولا تدخل الإمارات، لكان نتنياهو قد ضم 30٪ من الضفة الغربية.
يفتخر دحلان بالدعم الجيوسياسي الكبير من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والدعم المالي كبير من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. إن رفض دحلان يعتبر خطأ استراتيجيًا لقائمة القدوة والبرغوثي: كان من الممكن أن يكتسب التحالف الثلاثي بسهولة دعمًا واسع النطاق داخل فتح وحماس، بينما يتمتع بدعم إقليمي جيوسياسي ومالي حاسم
أخيرًا، يُفترض أن قائمة رئيس الوزراء السابق سلام فياض ستجذب المستقلين، وخاصة التكنوقراطيين وبعض رجال الأعمال الفلسطينيين، لكنها ستكون بلا شك أضعف قائمة من بين القوائم المرتبطة بفتح.
من الواضح تمامًا أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس قريبًا من قمة أولويات السياسة الخارجية التي تتبناها إدارة بايدن، لكن الولايات المتحدة متورطة في كل من الصراع والمستقبل السياسي الفلسطيني والتداعيات الأمنية على المنطقة بحيث لا يعتبر الانفصال ترفًا تستطيع الإدارة تحمله. لكن من المرجح أن تطرح الانتخابات قضايا خطيرة.
عشرات الألغام الأرضية التشريعية، من معاقبة حماس إلى قانون تايلور فورس، تهدد بالفعل نوايا الرئيس الأمريكي جو بايدن المعلنة لاستعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية وإعادة فتح مكتب وفد منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة واستئناف المساعدات المطلوبة بشكل عاجل وتجديد جهود صنع السلام الأمريكية. ستشكل العديد من قرارات الكونجرس هذه، المفروضة على بايدن، إشكالية جديدة في أعقاب الانتخابات الفلسطينية.
ولكن إذا أجريت الانتخابات الفلسطينية كما هو مخطط لها، فقد تفوز قائمة حماس بثاني أكبر كتلة من مقاعد المجلس التشريعي. وإذا تم تضمين حماس في أي فرع من فروع الحكومة الفلسطينية المشكلة حديثًا، فإن اللوائح الأمريكية التي تصنف حماس على أنها منظمة “إرهابية” يمكن أن تفرض قطع بعض أو كل المساعدات المخصصة للفلسطينيين (مثل 350 مليون دولار سنويًا للأونروا و 200 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية والإنسانية) ما لم يتم استخدام الاعفاءات الرئاسية للتغلب على القوانين الأمريكية الحالية.
إذا كان نجاح حماس يعني شل المساعدة الأمريكية للفلسطينيين، فإن النفوذ الأمريكي على العملية السياسية الفلسطينية سوف يتضاءل على التوالي. ولكن إذا كانت الإدارة الجديدة تريد على الأقل تمهيد الطريق لمفاوضات مستقبلية، أو على الأقل عدم إفسادها، فيجب عليها الالتزام مجددًا باستئناف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين ومعارضة أي خطوات أحادية الجانب تهدد حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة إسرائيلية يهودية وديمقراطية ودولة فلسطينية مستقلة.
بلا شك أن حكم عباس غير الفعال والسلطوي الذي استمر لحوالي ١٥ سنة أو نحو ذلك سوف يعجل بتفكك فتح إذا جرت، أو عندما تجري، الانتخابات كما هو مخطط لها.
كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من رفقائي الفلسطينيين، سئمت من واقع يقودني ويمثلني فيه ديكتاتور. نحن أناس أذكياء تضاءلت مكانتنا بسبب القادة المزعومين الجاهلين الذين نصبوا أنفسهم ويخدمون أنفسهم والذين لم يتم انتخابهم. وهناك الكثير من الحمقى الطموحين الذين يأملون في خلافة عباس.
لا يجب السماح لعباس المسن بالترشح للرئاسة. يحتاج الفلسطينيون إلى قيادة شابة وحيوية وخلاقة لا تشوبها مزاعم الفساد وانعدام الشفافية وتدمير القيم والمؤسسات الديمقراطية الفلسطينية التي تميزت بها حقبة عباس. والأسوأ من ذلك، عمل عباس كوكيل لإسرائيل يصون أمنها ويحافظ عليه في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وفشل تمامًا في دفع عملية السلام أو تحقيق الاستقلال الفلسطيني.
يجب على الفلسطينيين من جميع الفصائل السياسية ألا يسمحوا لعباس بالترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية أو أي شيء آخر. يجب أن يكون عمله الأخير هو الاستقالة طواعية – وإذا رفض ذلك، فيجب على الفلسطينيين عزله، حتى رغم أنفه ورغم أنف وكلائه.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.