يديعوت: الخروج الأمريكي من أفغانستان يشبه يوم هروب إسرائيل من لبنان عام 2000

يديعوت – بقلم: ناحوم برنياع              “الصور القادمة من أفغانستان قاسية، وباستثناء بضعة أذكياء لدرجة إثارة الغضب، واضح لكل إسرائيلي من الأشرار في هذا الحدث ومن الأخيار. من المحزن أن نرى أمريكا في ذلها؛ محزن أن نرى مواطنين أصبحوا نازحين في بلادهم، ونساء ألقي بهم إلى الوراء، وتقدم يتحطم، وإرهاب إسلامي يحتفل بنصر بالضربة القاضية. ثمة تشبيه للصور القادمة من كابول بصور الإخلاء من سايغون، في نيسان 1975. الفوضى إياها، هجوم جموع العائلات على الأسوار، وانغلاق الحس إياه تجاه المتعاونين الذين تعرضوا للخيانة، والمشاهد المؤلمة إياها في المطار، والخوف نفسه من وحشية المنتصرين.

أما أنا فقد أعادتني الصور إلى أيار 2000 في لبنان. الانسحاب الذي قدم موعده، والانهيار السريع لجيش لبنان الجنوبي، ومسيرات نصر لـ”حزب الله”، وأزمة سير سيارات مرسيدس لعائلات هربت إلى إسرائيل، العناوين الرئيسة الصارخة التي لا تغتفر عن “يوم الذل” و “مع البنطال الساحل”. وفي الغداة انقلبت العناوين: “يا أمي، خرجت من لبنان”، بشر الجندي السعيد في الدبابة الأخيرة. 24 ساعة فصلت بين الذل والسكينة، بين الغضب الذي لا مثيل له والسعادة التي لا توصف. بسرعة شديدة، ببساطة شديدة.

علمتني الصور من أفغانستان كم هي مهمة قوة الإرادة في الصراع على الحكم. استثمر الأمريكيون عشرين سنة في تطوير جيش أفغانستان. زودوه بسلاح متطور، ومسارات تأهيل للضباط والجنود، ونظام وانضباط. المال الأجنبي ولد فساداً، والفساد ولد اغتراباً ومقتاً. في لحظة رحيل الأمريكيين، نزل جيش الملتحين من الجبال بسيارات “التندر” المدنية واحتل الدولة بلا قتال. الدرس: نظام، وجيش، وشعب فقد إرادته للقتال في سبيل حريته، محكوم بالهزيمة. ولن يقاتل الأجانبُ من أجله.

أمريكا تنطوي على نفسها: هذا هو الميل الذي خلفه أوباما لترامب وخلفه ترامب لبايدن. هذا ما يريد الرأي العام أن يراه. بعد شمال سوريا وأفغانستان، سيأتي دور العراق. ستخرج القوات الأمريكية من كل نقاط الاحتكاك في المنطقة، ستخرج بلا رجوع.

للانطواء الأمريكي تداعيات على إسرائيل وحكومتها. فهي ستحوم فوق اللقاء بين بايدن وبينيت يوم الخميس. إسرائيل هي الدولة الوحيدة بين البحر المتوسط والخليج الفارسي التي يمكن لأمريكا أن تعتمد عليها. إسرائيل لن تخون. إسرائيل لن تنهار. إدارة بايدن تتعاطى في هذه اللحظة بشك مع الحلفاء القدامى مثل السعودية وقطر ومصر؛ وأسباب ذلك ستفصل لاحقاً. لديها انتقاد أيضاً على إسرائيل، ولكن ليس لديها في المنطقة شريك قوي ومخلص مثلها.

بكلمات أخرى، إسرائيل ذخر لأمريكا. ومكتب رئيس الوزراء يأمل بأن تعزز الأحداث في أفغانستان مكانة إسرائيل في البيت الأبيض. بينيت وحكومته هما ما تمناه بايدن ورجاله بعد ترامب ونتنياهو. لم يتبقَ لهم غير عناقه، وحمايته، وإعطائه إسناداً دولياً ومجال عمل أقصى في القتال ضد إيران. إيران ليست شريكاً للاتفاق: وجهتها للقنبلة. حكومة إسرائيل هي شريكهم في الحرب ضد إيران.

في المحادثات التمهيدية لزيارة واشنطن، جرى الحديث كثيراً عن قطر. المفاوضات بين إدارة ترامب وقادة طالبان بدأت بمبادرة قطر. فقد أدت دور الوسيط والموصي وواصلت أداءه حتى مع بايدن وإدارته. في إسرائيل مقتنعون بأن قطر ضللت الأمريكيين. وبزعم محافل إسرائيلية، فإنها تلعب لعبة مشابهة مع إيران أيضاً: تحتفظ بقاعدة عسكرية أمريكية في أراضيها ولكنها في الخفاء تمول أعمال إرهاب الحرس الثوري.

قطر: وهي الدولة التي تضخ المال إلى غزة، ومساعدتها المالية (100 دولار لـ 100 ألف عائلة محتاجة) تنقذ غزة من الجوع، ولكنها تعزز حماس، وتمول تعاظم قوتها وتمنح شرعية لقطر في الساحة الدولية. طلب بينيت ضخ المساعدة عبر الأمم المتحدة. أما الأمم المتحدة فقد طلبت عمولة 8 في المئة. 8 دولارات على كل 100 دولار. المتبرعون ليسوا مستعدين لإعطاء أكثر من 3.5 في المئة. تواصلت المفاوضات، وحتى الآن لم يقدم المال. ثمة اضطراب في غزة، والسنة الدراسية بدأت في أجواء صعبة. في الأسبوعين الأخيرين استؤنفت النار: إطلاق صواريخ وبالونات نحو بلدات الغلاف، للمرة الأولى منذ حملة “حارس الأسوار”. بينيت، مثل سابقيه، لم يسارع إلى فتح جبهة في غزة قبل الأوان. فهو يضبط النفس ولكن يدفع ثمناً سياسياً وإعلامياً.

مصر: هي هي التالية في القائمة. كان الجنرال السيسي أحد محبوبي إدارة ترامب، لكنه ليس كذلك لدى إدارة بايدن؛ فحبها له أقل بكثير. فهو يعتبر منتهكاً بالجملة لحقوق الإنسان – موضوع لم يهم ترامب ولكنه يهم بايدن وحزبه جداً. يأمل السيسي من بينيت أن يفتح أبواب البيت الأبيض له. لا غرو أن وزير المخابرات المصري وصل إلى البلاد عشية سفر بينيت إلى واشنطن، جالباً معه دعوة للقاء مع السيسي، على ما يبدو في شرم الشيخ. ولكن إسرائيل تتوقع شيئاً بالمقابل: ثمة محافل إسرائيلية تدعي أن معبر رفح بين غزة وسيناء مكشوف لتهريب وسائل قتالية ومواد بناء وغيرها. مريح للمصريين غض النظر، سواء لأن التوتر في غزة يخدمهم أم لأن المصريين الذين يديرون المعبر مصابون بالإهمال والفساد. تسمح التهريبات لحماس بإعادة البناء بسرعة بعد الضربات الشديدة التي تلقتها في “حارس الأسوار”.

الأردن: ثمة فصل جديد وحار فتح في العلاقات مع الملك عبد الله؛ فقد بعث الملك هذا الأسبوع بهدية لزوجة بينيت، غيلات: دقيق خاص طور وأنتج في البلاد. ولكون زوجة رئيس الوزراء طباخة حلويات، فالهدية تناسبها (ولا تجر وراءها شبهات جنائية). إذا كان دقيقاً، فلعل هناك توراة.

السلطة الفلسطينية: من جهتها، قدمت السلطة بادرة طيبة؛ فعندما عربد الحريق في رواق القدس، هاتف أحد مسؤولي السلطة رجال الارتباط معه في إسرائيل، وعرض عليهم المساعدة في إرسال سيارات الإطفاء. لقد كانت المساعدة رمزية، ولكن بعد ليال من أحداث النار بين قوات الأمن والشبان في الضفة وموت 50 فلسطينياً، فإن هذه البادرة الطيبة المتواضعة تبدو ذات مغزى.

ستطرح المسألة الفلسطينية في لقاء بينيت في البيت الأبيض، وسيحاول بينيت تركيز الحديث على حلول عملية: الإيضاح بأن الوقت غير ناضج، لا في الجانب الإسرائيلي ولا في الجانب الفلسطيني، بخطوات كبرى سياسية. يمكن عمل الكثير في خطوات صغيرة، مقنونة، على الأرض. الرسالة الكامنة بين السطور ستكون: إذا كنتم تريدون لاحقاً وجود حكومة تغيير، فاتركونا.

يمكن أن يلقي بينيت الخطاب الذي كان سيلقيه على أي حال لو ظل في المعارضة: ما حصل في أفغانستان يجب أن يوضح للعالم بأن محظور على إسرائيل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، ومحظور عليها أن تخلي دونماً واحداً في الضفة. ففي اللحظة التي تخرج فيها إسرائيل، ستنهار السلطة وستختفي قواتها العسكرية، وستسيطر حماس، مع قوانين الإسلام، ومع الإرهاب.

هذا ما كان سيقوله نتنياهو لو كان هو رئيس الوزراء اليوم ولو كان ترامب هو مستضيفه في البيت الأبيض. ولكن بايدن، الذي تلقى ضربة معنوية غير بسيطة في أفغانستان، ينتظر بشائر طيبة وليس مزايدات أخلاقية.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.