هآرتس/ ذي ماركر – بقلم: تسفي برئيل “كم هو عدد الوحدات السكنية التي صادقت حكومة إسرائيل على بنائها للفلسطينيين في الضفة الغربية؟ حسب عناوين براقة ظهرت في الأسبوع الماضي، العدد هو 1300 وحدة سكنية. ولكنه عدد يتناول شققاً صودق على “إمكانية السماح بها”، أي أنها دخلت إلى الطابور الطويل الذي قد يستمر لسنوات كثيرة، إلى حين المصادقة عليها. وهذه تشمل الشقق التي صودق عليها في 2017 و2019 وقبل ذلك ولم يتم بناؤها. ما هي 1300 شقة مقابل نقص عشرات آلاف الشقق في الضفة الغربية وشرقي القدس!
ليس بالصدفة أن أعلن وزير الدفاع بني غانتس عن هذه المصادقة الضبابية عند الإعلان عن المصادقة على بناء 3300 وحدة سكنية في المستوطنات من أجل أن لا يتهم، لا سمح الله، بالتمييز ضد الفلسطينيين. في هذه الأثناء، يبلغ فلسطينيون من شرقي القدس بأنهم يضطرون إلى مغادرة مكان سكنهم في المنطقة التي ضمتها إسرائيل، والانتقال إلى الأحياء التي لم يتم ضمها للقدس.
غلاء أجرة الشقق، وبالأحرى شراء الشقق، هو أكبر من قدرة عائلة فلسطينية متوسطة. أشارت بيانات نشرت في وسائل الإعلام الفلسطينية إلى أجرة شقة شهرية تبلغ 2500 – 4000 شيكل، في حين أن متوسط أجر للفلسطينيين في القدس هو 5500 شيكل في الشهر. أي أن جميع الأجر يذهب للسكن. في الأحياء الرخيصة مثل كفر عقب، الأجرة منخفضة بشكل واضح، والسبب مستوى خدمات البلدية والأمن الشخصي والمواصلات.
نقص السكن هو أحد المشكلات الحادة التي يجب أن تواجهها السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص. ظل ثقيل يحلق فوق السلطة في أعقاب نقص الأموال لدفع الرواتب. تخاف السلطة من أنها اليوم، بدون استئناف مساعدات الدول المانحة والدول العربية، في فترة قصيرة أمام أزمة مثل التي شهدتها غزة في الأعوام 2016 و2017، وهي الأزمة التي أثارت انتفاضة عنيفة. في هذه الأثناء، تم حل مشكلة رواتب موظفي غزة بشكل جزئي، بمساعدة كثيفة من قطر. والآن، ستضطر السلطة إلى البحث عن حلول لموظفيها في الضفة الغربية.
معظم المساعدة التي منحت للسلطة من الدول الأوروبية بمبلغ 600 مليون يورو تم تجميدها. بضع عشرات ملايين اليورو فقط تم تحويلها إليها كمساعدة إنسانية لمواجهة أزمة كورونا. ومساعدات الولايات المتحدة، التي تم تجميدها في فترة الرئيس ترامب، تم تحريرها في الحقيقة من قبل الرئيس جو بايدن، لكن معظمها (235 مليون دولار) مخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”. حتى العام 2018 الذي قرر فيه ترامب تجميد المساعدات، حصلت الأونروا على 360 مليون دولار في السنة.
الضربة الأكثر قسوة تلقتها السلطة بالتحديد من الدول العربية التي تعهدت بأن تقدم لها شبكة أمان بمبلغ 100 مليون دولار في الشهر، لكنها أوقفت المساعدات في 2020 بدون أي تفسير، الأمر الذي أجبر السلطة الفلسطينية على الإعلان في حينه عن تقليص 50 في المئة من رواتب الموظفين في القطاع العام. منذ بداية السنة الحالية، حولت الدول العربية المانحة 32 مليون دولار فقط مقابل 265 مليون دولار في 2019. التفسير الوحيد لهذا القرار العربي، وتحديداً قرار السعودية التي تعدّ المانح الأكبر، يعود لمعارضة السلطة لتبني “صفقة القرن”. ولكن منذ تبخر الصفقة ولم يعد ترامب هو الرئيس، فإن المساعدات العربية ما زالت تتلكأ.
الفساد عقبة
زار رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، في الشهر الماضي، عدداً من العواصم الأوروبية لإقناعها باستئناف تقديم المساعدات. وعند عودته، قال إن الزيارة كانت ناجحة، وأن الأموال التي جمدت في 2020 والمخصصات التي أعدت للعام 2021 ستبدأ بالتدفق في الربع الأول من العام 2022.
في هذه الأثناء، صرحت آن لندا، وزيرة خارجية السويد، التي هي إحدى الدول المانحة الهامة: “الفساد المتفشي في السلطة الفلسطينية يعتبر عقبة أمام تحويل الأموال”. في الواقع، كانت قد خففت صيغة التصريح قليلاً، وأوضحت بأن قصدها هو أن على السلطة العمل ضد الفساد كي تستغل المساعدات بنجاعة. ولكن لندا أظهرت عدم الرضى من طريقة الإدارة الفلسطينية ومن الرقابة غير المرضية ومن سلم الأولويات الذي تحدده السلطة لاستخدام أموال المساعدات.
على أي حال، إلى حين استئناف المساعدات الأوروبية، ستضطر السلطة إلى مواصلة اقتراض الأموال من البنوك الفلسطينية مثلما فعلت في السنة الماضية. ولكن المنظومة البنكية تحذر من انخفاض مستوى سيولة البنوك إلى مستوى قد يعرض استقرارها للخطر.
ثمة تقرير نشره موقع “ميديا لاين” في نهاية تشرين الأول الماضي، يقتبس أقوال رئيس اتحاد أصحاب محطات الوقود في السلطة، نزار الجعبري، الذي قال إن السلطة مدينة 50 – 60 مليون شيكل لأصحاب محطات الوقود عن تشغيل سيارات السلطة. وقال أيضاً إن محطات الوقود في بيت لحم رفضت تعبئة سيارات السلطة إلى حتى سداد الدين. وعقب ذلك، دفعت السلطة 3 ملايين شيكل فقط. وفي مقابلة أخرى، قال الجعبري إن مداخيل السلطة من الضرائب على الوقود وضريبة البلو تبلغ مليار دولار في السنة، وهي أحد مصادر الدخل الأعلى للميزانية، التي تتوقع مداخيل بمبلغ 3.9 مليار دولار هذه السنة.
في المقابل، كان تهريب الوقود من إسرائيل إلى الضفة قد اقتطع في السنوات الأخيرة مئات ملايين الدولارات في السنة من مداخيل السلطة. وحسب تقرير للمعهد الفلسطيني للسياسة الاقتصادية، الذي نشر في 2018، فإن جزءاً كبيراً من التهريب كان من خلال المستوطنات. عندما تبلغ الميزانية السنوية للسلطة 5.6 مليار دولار وتستند إلى عجز متوقع هو أكثر من مليار دولار، وعندما يكون حجم المساعدات المتوقعة غير معروف، فلا يبقى حينئذ سوى القليل جداً للاستثمار في التطوير وإيجاد أماكن عمل جديدة.
ظاهرة لبنان في الضفة
هذه بيانات يجب أن تقلق إسرائيل، التي تقضم أموال ضريبة القيمة المضافة وضريبة الجمارك التي تجبيها لصالح السلطة، بسبب القانون الذي يمنع تحويل مدفوعات مخصصة للسجناء وأبناء عائلات الإرهابيين الذين قتلوا. إذا كانت السلطة تقف حقاً أمام الإفلاس أو تقف أمام الأزمة الاقتصادية الأكثر خطورة في تاريخها، مثلما حذر رئيس الحكومة اشتية مؤخراً، فإن مسألة قدرتها على دفع رواتب كاملة لموظفيها ستتطور بكامل خطورتها، وقد تكون لها تداعيات على استقرار السلطة والهدوء في الشوارع. وحذر محللون فلسطينيون من تطور “لبنان في الضفة”، ونشوء احتجاجات ومظاهرات وحتى عصيان مدني بما يشبه لبنان في السنتين الأخيرتين.
إسرائيل التي تسوق فكرة “السلام الاقتصادي” لا تقترح أي حلول حقيقية. القرض الذي وعد به وزير الدفاع بني غانتس، محمود عباس في آب بمبلغ نصف مليار شيكل، لن يلبي احتياجات السلطة. لأنه سيزيد دينها، وهكذا أيضاً طريقة المحاسبة الرقمية مع المصالح التجارية الفلسطينية التي يمكن أن تدخل للسلطة مبلغ 10 ملايين شيكل إضافية في السنة من الضرائب.
“نحتاج إلى استثمارات بمئات ملايين الدولارات، وليس إلى صدقة إسرائيل التي تعتمد على أموال تعود في الأصل إلى السلطة”، قال مصدر في وزارة المالية الفلسطينية للصحيفة. “قد يكون فرع البناء رافعة مهمة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، لكن إذا أقرضت البنوك الحكومة فما الذي سيبقى لها لغاية الإقراض السكني؟ من أين ستأتي مصادر التمويل للمقاولين؟ وكيف نستطيع زيادة الإنتاج والتصدير إذا كان أصحاب المصانع يجدون صعوبة في الحصول على الاعتمادات؟”. وحسب قول هذا المصدر، زيادة تصاريح العمل في إسرائيل تعدّ أمراً مهماً، لكن عندما يكون آلاف العمال الفلسطينيين يعملون بدون تصاريح، فثمة حاجة إلى إيجاد حل أكثر شمولية، بحيث يتناول الزيادة الطبيعية في عدد العمال الذين يدخلون إلى سوق العمل في كل سنة.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.