صحيفة تكشف كواليس مثيرة في حوارات التهدئة..خطة لمنع ارتباط غزة بفلسطين

قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، اليوم السبت، إن فصائل المقاومة في غزة، لمست النتائج الكبيرة لمعركة «سيف القدس» وهي تسعى إلى تطوير قدراتها العسكرية، كما إلى تعزيز ترابطها مع بقية المناطق الفلسطينية. 

وبحسب الصحيفة فإنه على الرغم من أن النتائج الكبيرة لمستها المقاومة بقوة، إلا أن الفريق العربي يمارس المزيد من الضغوط السياسية المباشرة على قيادات فصائل المقاومة من أجل «الحدّ» من تفاعلها أو تعاونها مع حزب الله وإيران، وحتى «التدخل» في مشروع إعادة وصل العلاقة مع سوريا.

ووفقاً للصحيفة، فإن قادة فلسطينيون أسمعوا المصريين والقطريين وحتى وسطاء أجانب، كلاماً مباشراً بأنه لا يمكن لفصائل المقاومة الدخول في مقايضة «العيش بالتنازل السياسي».

 وقال مسؤول فلسطيني: «قلنا لهم إن غزة تمثّل أقل من 2 بالمئة من مساحة فلسطين، وأنتم تعرضون علينا الطعام والشراب مقابل التنازل عن 98 بالمئة من بقية الأرض والناس. وأنتم تعرفون أننا كنا نحصل على الطعام وحرية الحركة قبل اندلاع الانتفاضة الأولى والثانية، وأن الحصار لم يمنع عنا الطعام، وبقينا مستمرّين في المقاومة، وأنتم تعودون لتعرضوا الأمور نفسها، ولا تريدون ممارسة أيّ ضغط على العدو من أجل أن ينسحب ويتنازل ويتوقف عن الاعتداءات. ونحن لا نرى ما يوجب التنازل. ثم إن ربط المقاومة بمصير الضفة والقدس وبقية فلسطين صار أمراً واقعاً ولا يمكن لأي فصيل في القطاع تجاوزه حتى لو أراد ذلك».

ويضيف المسؤول نفسه: «أنتم تعرضون علينا اللاشيء، بل أنتم تعرضون أقل بكثير ممّا عرضتم أو قدمتم للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وماذا كانت النتيجة؟».

 ويشرح مسؤول آخر شارك في جانب من الاتصالات: «المصريون يعرفون أنهم لا يقدرون على فرض الحصار من جديد، وهم يعرفون أن مثل هذا الأمر لن يؤثر على تطوير المقاومة لقدراتها، وأن الضغوط ستدفع بالمقاومة الى المزيد من العمل، وحتى الى الدخول في مواجهة جديدة مع الاحتلال، وهم يعرفون أن علاقة فصائل المقاومة بمحور المقاومة من بيروت الى دمشق وطهران، لم يعد أمراً قابلاً للنقاش، حتى لو كانت هناك تمايزات في تقديرات سياسية حول هذا الملف أو ذاك».

 وبحسب المناقشات الجارية في أكثر من عاصمة، فإن المقاومة دخلت في مرحلة جديدة من التنسيق الذي يسمح بتطوير القدرات، والأهم توسيع مساحات المواجهة وإدخال أسلحة جديدة يحاول العدوّ تجنّبها طوال الوقت.

وأضافت الصحيفة  إن مصر ودول الخليج وأمريكا والاحتلال الإسرائيلي، يسعون للانتقال إلى خطة عمل تقوم على فكرة أن الحصار السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي الذي فرض على القطاع على مدى سنوات طويلة، لم ينجح في كسر المقاومة أو تعطيل قدرتها، ولم يحُل دون التواصل ببُعده المعنوي وحتى العملاني مع بقية المناطق الفلسطينية. وبالتالي، فإن الاستراتيجية التي كانت تهدف إلى تعطيل قدرات المقاومة داخل القطاع، فشلت، وصار المطلوب اليوم البحث عن استراتيجية بديلة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عربية مطلعة، قولها، إن النقاشات الجارية على أكثر من صعيد، يبدو أن المشروع يقوم على القواعد الآتية:

أولاً: تريد إسرائيل البحث في أي صيغة من شأنها توسيع دائرة الحصار لمنع تطوير قدرات المقاومة في القطاع، وخصوصاً في المجال الصاروخي. 

وترصد إسرائيل سعياً دؤوباً من جانب فصائل المقاومة في القطاع، للحصول على دعم أكبر من حزب الله وإيران في مجال التقنيات الخاصة بالتصنيع العسكري الصاروخي، سواء لناحية القوة الدافعة للصواريخ بما يسمح لها بالوصول الى مديات أكبر، أو لناحية تطوير تقنيات العمل بما يجعلها أكثر دقة في الإصابة، بالإضافة الى رفع قوة الرأس المتفجر المحمول على هذه الصواريخ. وإسرائيل تتابع الأمر من دون انتظار أي دعم من أي جهة، ولو أنها تطالب المصريين برفع مستوى الرقابة على الحدود مع القطاع، حيث يعتقد العدو أنها المعبر الوحيد الذي يمكنه إيصال القدرات والخبرات الى القطاع.

ثانياً: تريد إسرائيل ترتيبات أمنية وسياسية داخل قطاع غزة، تجعل القرار بإطلاق الصواريخ محصوراً بيد جهة واحدة تخضع لرقابة وإشراف من جانب الجهات العربية، وخصوصاً مصر، بالإضافة الى إعادة السلطة الفلسطينية وجزء من جهازها الأمني والعسكري للعمل داخل القطاع.

ثالثاً: استعداد أميركي لتغطية أوسع عملية استثمار في برامج إعادة الإعمار وخلق قطاعات إنتاجية ورفع مستوى البنى التحتية في القطاع، مقابل الحصول على اتفاق سياسي يسمح بإعلان هدنة طويلة الأمد بين فصائل المقاومة في القطاع وإسرائيل، حتى من دون الحاجة الى إلزام المقاومة بأي موقف سياسي خاص.

رابعاً: استعداد إسرائيلي لتوسيع دائرة الخدمات التي يحتاج إليها القطاع، سواء لناحية السماح بمرور شحنات تجارية عبر المعابر الواصلة الى أراضي الـ 48، أو السماح بنقل واردات من موازنات السلطة الفلسطينية الى القطاع، وصولاً الى السماح لنحو عشرين ألف عامل من القطاع بالدخول يومياً للعمل في إسرائيل.

ووفقاً للصحيفة، فإن الأمريكيون يحاولون جاهداً  بالتعاون مع المصريين والإماراتيين من جهة، ومع القطريين من جهة ثانية، لتقديم مشروع الى قيادة حركة حماس في قطاع غزة، يقضي بفتح الأبواب أمام أكبر ورشة إعادة إعمار تشمل البنى التحتية العامة والمؤسسات الحكومية والصحية والتربوية، وتوسيع دائرة التبادل التجاري مع القطاع عبر الحدود المصرية، والسماح ببناء علاقات تعاون بين رجال أعمال مصريين وعرب وبين رجال أعمال من قطاع غزة. 

وناقش المصريون مع القوى الفلسطينية نقاطاً عملانية؛ بينها أن تتقدم هذه القوى بعرض يتضمّن لوائح بأسماء رجال أعمال أو شركات موجودة في القطاع للعمل مع نظرائهم المصريين.

لكنّ المصريين (والقطريين، لكن بدرجة أخف وشكل مختلف) كانوا شديدي الوضوح والصراحة في المداولات المباشرة التي جرت مع حماس أو الجهاد الإسلامي أو فصائل فلسطينية أخرى، حول الآتي:

أولاً: البحث عن سبل لإقرار هدنة طويلة الأمد تسمح بإطلاق مشاريع الإعمار، من دون تعرّضها لخطر التدمير في أي حرب مفاجئة. وبالتالي، الذهاب نحو اتفاق علني أو غير علني، يجعل الهدنة قائمة مع ضمانات مباشرة، تتطلّب في جانب منها تحقيق المصالحة مع السلطة الفلسطينية.

ثانياً: تراجع حماس عن بعض شروطها بما خصّ صفقة تبادل الأسرى مع العدو، بما يجعل أي حكومة في إسرائيل توافق على إتمام عملية التبادل من دون الخشية من تعرّضها لانتقادات داخلية. وعند التدقيق في الأمر، يمكن العثور فوراً على عناوين تجعل إسرائيل هي الجهة المقررة لعدد وفئات الأسرى الفلسطينيين المفترض أن تشملهم الصفقة.

ثالثاً: العودة الى البحث المباشر في صيغة لما يطلق عليه وصف «المصالحة الفلسطينية الداخلية»، إذ يسعى المصريون بوضوح الى إعادة الاعتبار لموقع السلطة الفلسطينية، لا على مستوى القطاع فحسب، بل على مستوى التفاوض باسم الفلسطينيين عموماً، وربط موقف المقاومة بموقف السلطة من ملفات عدّة.

رابعاً: يرى المصريون، بصورة خاصة، أن البحث مع فصائل المقاومة ينحصر في أحوال قطاع غزة ومتطلباته. حتى عندما يتحدثون عن هدنة تفضي الى وقف إطلاق النار من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فهم يرفضون ربط الأمر ببقية الأراضي الفلسطينية، ويعتبرون أنه لا يحق لقوى المقاومة في غزة الحديث عن القدس والضفة الغربية وبقية الأراضي الفلسطينية.

وإذا كان المصريون قد أرسلوا ضباطاً كباراً للإقامة في قلب قطاع غزة، من أجل التنسيق المباشر بما في ذلك حول ورشة إعادة الإعمار، فإن العملية ينبغي أن تتمّ عبر شركة «أبناء سيناء»، لا عبر الجيش، وإنْ كان الأخير يسيطر فعلياً على كل الأنشطة والأعمال. لكن هذه الصيغة تسمح بآلية للتعاون مع مقاولين من أهل القطاع.

 ويتحدث المصريون عن استعداد كبير لزيادة التبادل التجاري مع غزة، بما يسمح بدخول كميات كبيرة من حاجات القطاع من جهة، وبزيادة واردات السلطة من جهة أخرى. لكن القاهرة تكرر أن مطلبها بما خصّ المصالحة والسماح بعودة ولو رمزية للسلطة الفلسطينية الى غزة، إنما يهدف الى عدم صدور أي موقف عن رام الله من شأنه عرقلة برنامج المساعدات هذه. وطبعاً، يبادر المصريون الى القول إنه في حال موافقة المقاومة على الهدنة، يمكن عندها تجاوز مطلب السلطة بأن تكون هي المشرفة على برامج الإعمار.

في الخلاصة، تواجه المقاومة في غزة اليوم تحدّيات ما بعد الانتصار. وهي تحدّيات سبق لها أن واجهتها بعد حرب عام 2014، كما تواجهها المقاومة في لبنان منذ عام 2000.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.