هآرتس – بقلم: ديب فيليبس واريك شميت “أخفى الجيش الأمريكي هجمات جوية في سوريا قتل فيها 64 امرأة وطفلاً، هذا ما نشرته السبت الماضي صحيفة “نيويورك تايمز”. حسب التقرير، نفذت الهجمات في 2019 قرب بلدة الباروز بناء على طلب وحدة أمريكية سرية للعمليات الخاصة، التي نفذت عمليات برية في سوريا أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
حدث هذا في الأيام الأخيرة للحرب على “داعش”. طائرة مسيرة للجيش الأمريكي حلقت في 18 آذار 2019 عالياً فوق منطقة ترابية قرب الباروز في شرق سوريا، أحد المعاقل الأخيرة للمنظمة الإرهابية السنية في الدولة العربية. بحثت المسيرة عن أهداف عسكرية، لكنها شخصت جمهوراً واسعاً من النساء والأطفال الذين تجمعوا على ضفة الفرات.
ولكن ظهرت في حينه طائرة حربية أمريكية من نوع اف15 وألقت قنبلة بوزن 227 كغم على تجمع النساء والأطفال. عندما انقشع الدخان، هرب بعض الأشخاص من المنطقة بحثاً عن ملجأ. ولكن طائرة حربية كانت تراقبهم ألقت قنبلة أخرى بوزن 907 كغم وقتلت معظم الناجين.
في غرفة عمليات الجيش الأمريكي بالقاعدة الجوية في قطر، كان رجال الجيش الذين يشاهدون الصور التي بثتها الطائرة المسيرة قلقين. من فعل هذا؟ كتب أحد رجال الجيش في جهاز الدردشة الداخلية، ورد آخر: “أسقطنا في هذه الأثناء 50 امرأة وطفلاً”.
حسب صحيفة “نيويورك تايمز” لم يجرِ الجيش الأمريكي تحقيقاً داخلياً في الهجمات الجوية في سوريا عام 2019، رغم أن مستشاراً قانونياً في سلاح الجو الأمريكي، الذي حضر في مركز العمليات أثناء الهجوم، اعتقد أن جرائم حرب قد ارتكبت.
حسب تقرير “نيويورك تايمز”، فإن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، التي أشرفت على العمليات الجوية للولايات المتحدة في سوريا، اعترفت بالهجمات للمرة الأولى، في الأسبوع الماضي. وقالت القيادة إن الهجمات كانت “مبررة استناداً إلى الدفاع عن النفس” ومتزنة. “تم اتخاذ خطوات من أجل منع وجود مدنيين” في منطقة الهجوم.
في البيان الذي نشرته قيادة المنطقة الوسطى للولايات المتحدة أمس، ورد أن 80 شخصاً قتلوا في هجومين في سوريا في 2019، من بينهم 16 مقاتلاً في “داعش” و4 مدنيين. وحسب الجيش، من غير الواضح ما إذا كان القتلى الآخرون من المدنيين؛ لأن هناك نساء وأطفالاً شاركوا في القتال.
وقال الجيش الأمريكي إنهم “يشمئزون من فقدان حياة أبرياء ويتخذون جميع الوسائل الممكنة لمنع ذلك. في هذه الحالة، أبلغنا بأنفسنا وحققنا في الهجوم حسب الدلائل التي في أيدينا، ونتحمل المسؤولية الكاملة عن فقدان حياة غير متعمد”.
حدثت الهجمات الجوية في الوقت الذي كانت فيه منظمة المتمردين “القوات السورية الديمقراطية” (اس.دي.اف) واقعة تحت نار شديدة ومعرضة للخطر من جانب مقاتلي “داعش”. وقال الجيش الأمريكي إن المتمردين السوريين أبلغوهم بأن لا مدنيين في المنطقة. وفتح المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية تحقيقاً في الحادث في 2019، لكن حسب صحيفة “نيويورك تايمز”، ليس في تقريره ذكر لعمليات القصف القاتلة. وعملياً، لم يجرِ الجيش أو الإدارة بشكل عام تحقيقاً جذرياً وذاتياً.
استندت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقريرها إلى وثائق سرية وصلت إليها وإلى ما وصفته تقارير سرية، واستندت أيضاً إلى مقابلات مع أشخاص كانوا مشاركين مباشرة في الهجوم.
” كان يبدو أن القيادة مستعدة لإخفاء ذلك. لم يرغب أحد في الانشغال بذلك”، قال جين تايت، الذي عمل على هذه الواقعة من قبل مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع، ووافق على الحديث عن التفاصيل غير السرية فيها. “عندما يرغب الناس في عمل ما هو صحيح، ثم لا أحد في مركز القيادة يريد سماع ذلك، فإن هذا يجعلك تفقد الثقة بالمنظومة”.
تايت، الذي كان ضابطاً في سلاح البحرية الأمريكي وعمل طوال سنوات كمحلل مدني في وكالة الاستخبارات وفي المركز الوطني لمحاربة الإرهاب قبل انتقاله إلى مكتب المفتش العام، قال إنه انتقد غياب العمل في هذا الموضوع. في نهاية المطاف، ترك وظيفته في المكتب.
حسب الصحيفة، فإن المستشار القانوني لسلاح الجو الأمريكي، الكولونيل دين واو كورسكي، الذي قال إن الهجمات تشكل جرائم حرب محتملة، كان حذر من ذلك أمام المفتش العام لوزارة الدفاع. بعد سنتين على الهجوم، وعندما لاحظ كورسكي بأنه لم يتم اتخاذ أي شيء حول الموضوع، أرسل رسالة إلكترونية إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ كتب فيها: “أعرض نفسي لخطر كبير من عمل انتقامي عسكري”، هذا بسبب إرسالي هذه الشكوى للجنة.
“شخصيات رفيعة في الجيش الأمريكي أخفت الهجوم بشكل متعمد ومنهجي”، كتب كورسكي في الرسالة الإلكترونية، التي وصل مضمونها إلى صحيفة “نيويورك تايمز”. وكتب أيضاً بأنه تم إدخال تسجيلات كاذبة إلى يوميات الهجمات، “بصورة من الواضح أنها هدفت إلى إخفاء الأحداث”. وقد اعتبر عدد القتلى “مرتفعاً بدرجة مخيفة” وقال إن الجيش لم يعمل حسب ما يقتضيه الإبلاغ والتحقيق في الهجمات.
هجوم قاتل
كان الباروز فعلياً هو المعقل الأخير لـ”داعش” في سوريا. خلال أكثر من شهر، كان مقاتلو “داعش” محاصرين في كيلومتر مربع واحد من حقول مزرعة محروقة، بين خيام مرتجلة وسيارات مثقبة بالرصاص وتحصينات حفرت بأيديهم، كان هناك عشرات آلاف النساء والأطفال، بعضهم كانوا هناك بإرادتهم، وبعضهم غير ذلك.
فرض الحصار على مقاتلي “داعش” بهدف تجويعهم. خلال ستة أسابيع، استسلم 29 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. مسيّرات الجيش الأمريكي مسحت معسكر التنظيم الإرهابي 24 ساعة في البيت ولمدة أسابيع. حسب ضباط، فإنهم عرفوا كل ما يحدث في المعسكر، بما في ذلك التحركات اليومية لمجموعات النساء والأطفال الذين تجمعوا للأكل والصلاة والنوم قرب ضفة النهر.
استعرض طاقم البحث في الصحيفة مئات الصور والأفلام القصيرة وتوثيق الأقمار الاصطناعية للمعسكر الذي يقع في الباروز. في الصورة التي صورت قبل يوم من الهجوم تظهر عدة خيام مرتجلة في النقطة التي أصابها الهجوم.
ما حدث في 18 آذار كان أمر مختلف عليه.
في ذاك اليوم، عند الفجر، بدأ مقاتلو “داعش” الذين بقوا في المعسكر هجوماً مضاداً على رجال الجيش الأمريكي. وحسب الجيش، فإن مقاتلي “داعش” أطلقوا النار عليهم وألقوا قنابل وأرسلوا مخربين انتحاريين إلى الجبهة. رد الأمريكيون بهجمات جوية مكثفة إلى أن نفد مخزون الصواريخ من بيدي رجال “داعش” في الصباح. في الساعة العاشرة صباحاً، أبلغت قوات من المتمردين السوريين بأنهم يتعرضون للنيران والخطر، وطلبوا أن نهاجم من الجو، هذا حسب الجيش الأمريكي. مسيرة من المسيرات لاحقت مجموعة من المقاتلين التي مرت عبر المخيم الذي كان فيه نساء وأطفال.
حلقت المسيّرة فوقهم وبثت صوراً بجودة عالية من الميدان إلى مركز المراقبة في قطر. ولأن قوة المهمة عملت بمستوى سري كبير، قال الضباط للصحيفة الأمريكية، إن رجال الجيش في قطر الذين شاهدوا الصور التي وصلت من المسيرة لم يدركوا أن قوة المهمة كانت تنوي استدعاء الهجوم الجوي.
إن وصف قيادة الجيش لما حدث على الأرض يتناقض مع التوثيق من الطائرة المسيرة، هذا ما قاله ثلاثة أشخاص شاهدوا الصور. شخصان أو ثلاثة أشخاص وليس 16 شخصاً، كانوا يتجولون قرب التجمع. كانوا يحملون بنادق، لكن لم يكن يبدو أن أعمالهم بررت هجوماً جوياً قاتلاً. مصدران شاهدا منظومة المحادثة الداخلية، قالا إن رجال الجيش كتبوا بأنهم لاحظوا نساء وأطفالاً وشخصاً يحمل السلاح، لكنهم لم يذكروا أي نشاطات حربية.
ضابط في وحدة القوات الخاصة أمر بفتح النار. وحسب الجيش الأمريكي، فإن القائد في الميدان استدعى القصف من الجو. يوميات الهجوم في ذاك اليوم أخفت الحادث كحماية ذاتية. كان من بين القتلى 64 امرأة وطفلاً، الذين لم يكونوا في تلك اللحظة يعملون بأي نشاط إرهابي أو بهجوم ضد أهداف للمتمردين السوريين.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.