في الوقت الذي تشخص فيه أنظار العالم نحو الحدود بين روسيا وأوكرانيا، ثمة مصممون على إشعال شعلة صغيرة أيضاً قريبة من البيت، في القدس و”المناطق” [الضفة الغربية]. إن المواجهات الجارية في حي الشيخ جراح شرقي القدس، تذكر بأمور غير لطيفة من أحداث أيار الماضي. التوتر الذي يحدث في الحي، لا سيما في منطقة الحرم، أشعلت في حينه أياماً من العنف والقتال في غزة، وفي المدن المختلطة داخل الخط الأخضر.
بصورة رمزية إلى حد ما لوضع العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، عادت الخلافات لتتركز في قسائم أرض صغيرة في الشيخ جراح، التي تجذب إليها الكراهية والاشمئزاز غير المتناهيين من الطرفين. وقع في نهاية الأسبوع حريق في بيت أحد السكان اليهود، الذي تم إحراق سيارته عدة مرات من قبل. كان هذا كافياً ليجذب المتظاهرين الذين يحبون الشجار إلى الحي، عندما سارع عضو الكنيست إيتمار بن غفير (الصهيونية الدينية) إلى صب زيته على النار، وأقام “مكتبه البرلماني” في المكان مرة أخرى. قدرته المتدنية على اللعب التي ظهرت أول أمس أثناء مواجهة عنيفة مع رجال الشرطة تنافست مع مواقفه الحالمة. صباح أمس، أوفى بوعده بالعودة إلى المكان.
لكن المشكلات لا تأتي فرادى؛ فالمناخ يتصاعد باستمرار في شمال الضفة منذ الأسبوع الماضي. منذ عملية “حرس الحدود الخاص” التي قتل فيها ثلاثة نشطاء مسلحين من الذراع العسكرية التابعة لحركة فتح في نابلس. وفي هذه الليلة، قرر شخص في الجيش الإسرائيلي بأن المطلوب وبسرعة مادة حارقة أخرى، وأرسل الجنود إلى قرية سيلة الحارثية في منطقة جنين لهدم بيت أحد المتهمين بقتل طالب المدرسة الدينية يهودا ديمنتمن في “حومش” قبل شهرين تقريباً. وقعت في المكان مواجهات شديدة بين الجيش والفلسطينيين، وقتل فيها شاب ابن 17 سنة بسبب نار الجيش الإسرائيلي كما يبدو. النار تواصل الاشتعال.
في قطاع غزة يراقبون كل ما يحدث في الضفة الغربية والقدس باهتمام. في أيار الماضي، فاجأت حماس الاستخبارات الإسرائيلية واستغلت التوتر الذي حدث في الحرم لنقل رسالة. أطلقت حماس ستة صواريخ على منطقة القدس تضامناً مع النضال الفلسطيني في المدينة. وردت إسرائيل بشن عملية “حارس الأسوار”. تصرف حماس هذا خالف تنبؤات إسرائيل المسبقة، التي ادعت بأن ليس لقيادة غزة مصلحة حقيقية في المواجهة. ولكن كان لغزة رأي آخر، وكانت مستعدة لتحمل عمليات قصف إسرائيلية ثقيلة، لنقل رسالة وجهت أيضاً لسكان الضفة بهدف مواصلة تقويض استقرار السلطة الفلسطينية هناك.
منذ نهاية الأسبوع الماضي، تنشر حماس في غزة تهديدات مشابهة باستخدام العنف. فهل تغيرت الظروف بشكل جدري؟ ما زالت السلطة تواجه صعوبات متزايدة في الحكم، وما زالت لحماس مصلحة في دفعها نحو الحائط. في المقابل، الوضع في غزة مختلف قليلاً؛ فبعد العملية العسكرية قدمت إسرائيل تسهيلات اقتصادية بعيدة المدى نسبياً للقطاع. حوالي عشرة آلاف عامل من القطاع (تحت غطاء “تجار ورجال أعمال”) يدخلون إلى البلاد يومياً للعمل. وتم ترتيب إرساليات الأموال القطرية في معظمها، باستثناء مشكلة معينة في هذا الشهر حول رواتب الموظفين. والبضائع تدخل بصورة سهلة ومستمرة أكثر مما كان.
الحياة في شتاء غزة البارد محتملة أكثر مقارنة بالسنوات السابقة. وتزويد الكهرباء والمياه يجري كالعادة، بمفاهيم غزية. وذراع حماس العسكرية له كثير من العمل الذي يستمر بصورة حثيثة في تأهيل الأنفاق التي تضررت في العملية، وتحسين قدرات منظومة الصواريخ في القطاع. إطلاق صواريخ من غزة الآن قد يعدّ خطوة مبالغاً فيها، ستستدعي رداً إسرائيلياً شديداً. في المقابل، لا جدوى من إطلاق البالونات الحارقة؛ لأن الأرض في غلاف غزة رطبة واحتمالية إحراق الحقول تبدو منخفضة.
هل تكفي كل هذه الادعاءات، والتركيز العالمي على ما يحدث في شرق أوروبا، من أجل كبح اشتعال جديد؟ كانت التحليلات، عبر الصحف وفي أجهزة المخابرات، قد أخطأت مرات كثيرة إلى درجة الاحتراس من خطر التنبؤ. إخراج بن غفير ومكتبه المرتجل والزائد من الشيخ جراح، إذا حدث، سيكون العملية الإيجابية الأولى في الاتجاه الصحيح. ولكن ثمة شك بأن يكون هذا كافياً لتهدئة النفوس، كما جزءاً كبيراً من اليمين الإسرائيلي هو اليوم في المعارضة، وله مصلحة في التحريض المتواصل في القدس.
ستضطر حكومة بينيت إلى إدارة الوضع بحذر كبير في الأسابيع القريبة المقبلة لتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية أخرى. وكالعادة، يبدأ الخطر من القدس، لا سيما من محاولة زيادة قوة المكون الديني في التوتر.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.