وصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، المملكة العربية السعودية يوم الجمعة، وغادرها يوم السبت، في سعي منه لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين واشنطن والرياض، وهي العلاقات التي شابها فتور منذ دخوله البيت الأبيض.
الأهداف الأميركية
قبل سفر بايدن إلى الشرق الأوسط، احتلت عناوين ثلاثة كبرى الأوساط الصحافية العالمية، جاءت مرتبطة طبعاً بالعلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن وأيضاً بأزمة الطاقة والغذاء التي يمرّ بها العالم، وكذلك بالتمهيد لتطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل، وأخيراً الملف النووي الإيراني.
وقبل الزيارة حددت وسائل إعلام أميركية، وحتى مسؤولين، الأهداف الأميركية الأبرز كالتالي:
– تصحيح العلاقات بين الرياض وواشنطن.
– دفع السعودية إلى ضخّ المزيد من النفط لكبح الأسعار في السوق المضطرب وتحجيم مصدّر آخر للطاقة وهو روسيا.
– تقريب وجهات النظر حول تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل وبحث الملف الإيراني.
العلاقات
ووقع الطرفان السعودي والأميركي نحو 18 اتفاقية للتعاون والشراكة في مجال الطاقة والأمن والاستثمار والفضاء والاتصالات. ويمكن القول إنه على صعيد العلاقات الاقتصادية، أدّت الزيارة الهدف المنشود منها.
ولكن لم يتطرق أي من الطرفين إلى مسألة صفقات السلاح بعد أن قالت مصادر أميركية سابقاً إن إدارة بايدن تدرس استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، أو دعم صفقة سلاح بين إسرائيل والرياض.
خلال قمة “جدة للأمن والتنمية” التي انطلقت يوم السبت، أكد بايدن كذلك أن الولايات المتحدة “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط حيث تلعب منذ عقود دوراً سياسياً وعسكرياً محورياً، وأنّها لن تسمح بوجود فراغ تملؤه قوى أخرى مثل الصين أو روسيا أو إيران.
أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن الزعماء العرب يوم السبت أن الولايات المتحدة ستظل شريكا فعالا في الشرق الأوسط، ولكنه أخفق في الحصول على التزامات بإنشاء محور أمني إقليمي من شأنه أن يشمل إسرائيل أو زيادة إنتاج النفط بشكل فوري.
وقال بايدن طبقا لنسخة من كلمته إن “الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة بالشراكة معكم جميعا”.
وقدم بايدن، الذي بدأ أول جولة له بالشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة بزيارة إسرائيل، رؤيته واستراتيجيته لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ولكن البيان الختامي للقمة كان غامضا وبددت السعودية، أهم حليف عربي للولايات المتحدة، آمال واشنطن بأن تساعد القمة في إرساء الأساس لتحالف أمني إقليمي يضم إسرائيل للتصدي للتهديدات الإيرانية.
وطبقا للبيان أكد الزعماء المشاركون في القمة أهمية اتخاذ كافة الخطوات الضرورية للحفاظ على الأمن في الشرق الأوسط، وأهمية تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، ونوهوا بجهود أوبك+ لإنجاز هذا الهدف وبدور السعودية “القيادي” في هذا المجال.
كما أكد البيان على ضرورة أن يكثف المجتمع الدولي جهوده للتوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا، وأهمية تسهيل صادرات الحبوب ودعم الأمن الغذائي في الدول التي تأثرت بالحرب.
ولكن العلاقات ليست اقتصادية وتجارية، إنما سياسية أيضاً. فبايدن الذي تعرض للكثير من الانتقادات بسبب نيته لقاء ولي العهد محمد بن سلمان، وجاء إلى جدّة لفتح صفحة جديدة من العلاقات، وجد نفسه في أجواء يخيم عليها مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في 2018.
– لم يصافح بايدن ولي العهد محمد بن سلمان بل استبدل السلام بسلام القبضة، بعكس مصافحته الملك سلمان. ومع ذلك تعرّض لانتقادات شديدة من مسؤولين أميركيين وإعلاميين كبار.
– بعد لقائه مع الأمير محمد الجمعة، قال بايدن إنّه أثار قضية خاشقجي في بداية الاجتماع. وفي المؤتمر الصحافي قال بايدن: قلتُ بوضوح (خلال اللقاء) إنّه إذا حدث أمر مماثل مجدّداً، سيكون هناك ردّ وأكثر من ذلك”، قاصداً بذلك “جعل السعودية دولة منبوذة”، وهو الوعد الذي قدمه خلال حملته الانتخابية في 2020.
– ولي العهد، بحسب مسؤول سعودي، ردّ على بايدن قائلاً: أميركا أيضاً أخطأت في سجن أبو غريب وفي أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الملفات.
ولم يكن وحده بن سلمان من ردّ إنما أيضاً ردّ مسؤولون سعوديون آخرون.
كذلك نقل مسؤول سعودي قول بن سلمان لبايدن “إن محاولة فرض قيم معينة على بلدان أخرى قد تأتي بنتائج عكسية”.
هل هذا يعني أن الطرفين توافقا في نهاية المطاف؟ يرى جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أن السعوديين أرادوا فقط أن الحصول على تأكيد لأهمية الدور السعودي من قبل بايدن، وهذا ما حصلوا عليه، إضافة إلى تأكيد أميركي على التزام الولايات المتحدة بضمان أمن المنطقة، وهذا ما حصلوا عليه أيضاً.
النفط
خلال كلمته الافتتاحية في قمة “جدة للأمن والتنمية” أكد بن سلمان أن السعودية سبق أن أعلنت عن زيادة القدرة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول 2027 ولكنه أضاف أنه “لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية للزيادة” بعد ذلك.
واتّهم ناشطون الرئيس الأميركي بالتنازل من أجل قليل من النفط، إذ حاول بايدن إقناع المملكة بضخ المزيد من النفط لمواجهة الأسعار المرتفعة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما لا يبدو أنّه حصل عليه بحسب فرانس برس.
أضف إلى ذلك أن خلافاً بدا بين الطرفين بخصوص رؤية كل طرف لأزمة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.
فبن سلمان أكد أن هناك حاجة لمزيد من الاستثمارات في الوقود الأحفوري وتقنيات الطاقة النظيفة لتلبية الطلب العالمي وإن سياسات خفض الانبعاثات غير الواقعية ستؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم.
من جهته قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن القمة الأميركية-العربية التي عقدت السبت لم تناقش النفط، وإن أوبك + ستواصل تقييم أوضاع السوق والقيام بما هو ضروري.
وقال الأمير فيصل في مؤتمر صحفي “لم تجر مناقشة النفط في القمة” مضيفا أن هناك مناقشات مع الولايات المتحدة والدول المستهلكة بشأن النفط طوال الوقت.
وكان خبراء توقعوا زيادة رمزية أخرى في إنتاج النفط، لكن تلك الزيادة لن تؤثر على الأسواق بشكل كبير.
وفي بيان مشترك نشره الإعلام الرسمي السعودي، جدّدت الولايات المتحدة والسعودية “التزامهما باستقرار أسواق الطاقة العالميّة”.
واتّفق الطرفان على “التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالميّة على المديين القصير والطويل”.
التطبيع مع إسرائيل والملف الإيراني
أثارت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تكهّنات حول تقارب محتمل بين الدولة العبريّة والسعوديّة، بعد تطبيع أربع دول عربيّة خلال السنتين الماضيتين علاقاتها مع إسرائيل، وبعد مؤشّرات إلى محاولات لإحداث تغيير إيجابي في الرأي العام السعودي إزاء هذه المسألة.
ولكن ولي العهد محمد بن سلمان كرر الموقف السعودي الرسمي خلال قمة جدة وقال: ازدهار المنطقة ورخاءها يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادئ وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ورغم أن السعودية أعلنت فتح مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من إسرائيل أو المتجهة إليها، حرص وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على التشديد على أن قرار السعودية هذا الأسبوع برفع القيود المفروضة على جميع شركات الطيران لاستخدام مجالها الجوي ليس إشارة الى أي دفع باتجاه إقامة علاقة مستقبلية مع اسرائيل.
وقال بن فرحان في مؤتمر صحافي “هذا لا علاقة له بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل”، وأضاف قائلاً إنه “ليس في أي حال من الأحوال تمهيداً لخطوات لاحقة”.
وفي الشأن الإيراني، بدا أن الطرفين متفقان. ففي بيان مشترك نشرته وكالة الأنباء السعودية، الجمعة، جاء أن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على أهمية منع إيران من “الحصول على سلاح نووي”.
وقال البيان إن بايدن أكد التزام بلاده القوي والدائم بدعم “أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها وتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية”.
جاء بايدن إلى المملكة على أمل التوصل إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط للمساعدة في خفض أسعار البنزين التي تدفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاما وتهدد نسب التأييد له داخل الولايات المتحدة.
وغادر المنطقة خالي الوفاض لكنه يأمل في أن تزيد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرون، فيما يعرف باسم مجموعة أوبك+، الإنتاج في اجتماع يوم الثالث من أغسطس آب.
وقال بايدن “أتطلع إلى رؤية نتائج في الأشهر المقبلة”.
Comments are closed.