نتائج صادمة في انتخابات بيرزيت ولخسارة الشبيبة الطلابية أسباب كثيرة

شكلت نتائج انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بير زيت التي جرت بالأمس صدمة لدى مؤيدي ومناصري حركة فتح بعد الخسارة الفادحة التي منيت بها حركة الشبيبة الطلابية، لما تشكله الانتخابات الطلابية وخاصة في جامعة بيرزيت، من أهمية في مسيرة الحركة الوطنية.

وكانت صادمة لكون طلاب هذه الجامعة أكثر من غيرها من الجامعات يمثلون مختلف المناطق والطبقات والتيارات، ما يجعل الانتخابات فيها تعكس مؤشرًا عامًا لمواقف وسلوك الشباب الفلسطيني المتعلم. وفوق كل ذلك، فإن لجامعة بيرزيت أهمية خاصة في العملية الديمقراطية لأن هذه الجامعة شكلت منارة للعملية الديمقراطية بالمحافظة على تقاليد ديمقراطية طوال السنوات السابقة التي حُرم فيها الفلسطينيون من الانتخابات، حيث تعقد فيها الانتخابات بشكل سنوي الا في بعض السنوات نتيجة ظروف قاهرة وخاصة (العاميين 20/21، 21/22 نتيجة انتشار جائحة كورونا).

جاءت هذه الانتخابات “الخليل – بيت لحم – النجاح – بير زيت” في ظل غياب شبه تام للحياة الديمقراطية عن الاراضي الفلسطينية منذ عام 2006 حينما جرت الانتخابات التشريعية، وكانت الانتخابات الرئاسية قد سبقتها بعام.

خلفية:
شهدت السنوات الماضية تقدما للكتلة الاسلامية على حساب منافستها الرئيسية، قائمة الشبيبة الطلابية، دون قدرتها على تشكيل مجلس الطلبة لوحدها، وفي الانتخابات التي سبقت اغلاق الجامعة بسبب جائحة كورونا كانت الشبيبة قد تساوت في عدد المقاعد مع الكتلة الاسلامية في الانتخابات التي جرت في 2019-2020. والشكل التالي يبين ذلك.

ومن الملاحظ أن الشبيبة فازت في جميع انتخابات بيرزيت التي جرت بعد سيطرة حماس على قطاع غزة حتى العام 2015؛ حيث حصلت الشبيبة في العام 2008 على 25 مقعدًا مقابل 19 مقعدًا للكتلة الاسلامية، وفي العام 2009 على 24 مقعدًا مقابل 22 للكتلة الاسلامية، كما حصلت في العامين 2010 و2011 على 31 مقعدًا و29 مقعدًا في ظل مقاطعة الكتلة الاسلامية للانتخابات خلال هذين العامين، وحصلت في العام 2012 على 26 مقعدًا مقابل 19 مقعدا للكتلة الاسلامية، وحصلت على 23 مقعدًا في العامين 2013 و2014 مقابل 20 مقعدًا للكتلة الاسلامية.

وخلال العامين الذي قاطعت فيه الكتلة الاسلامية الانتخابات انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات من 85% في عام 2009 إلى 58% و50%، ومن ثم عادت للارتفاع مجددا لتصل الى 75% في العام 2012. ويلاحظ ان معظم الاصوات التي كانت تذهب للكتلة الاسلامية امتنعت عن الانتخاب، وأدى ذلك الى انخفاض الاصوات للمقعد الواحد من 117 صوتاً في 2009 الى 71 صوتاً في انتخابات 2010.

فتحت نتائج انتخابات بيرزيت النقاش حول الأسباب وراء خسارة حركة فتح على الرغم من امتلاك الحركة قاعدة شعبية قد تكون الأكبر في الضفة الغربية، او على الأقل المتقاربة مع حركة حماس، وذلك كما تشير نتائج استطلاعات الراي التي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.

وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن تفسير خسارة حركة فتح لهذه الانتخابات بهذا الفارق بالرغم من امتلاكها القاعدة الانتخابية الاكبر؟

النتائج وأسبابها:

تنحصر خسارة حركة الشبيبة الطلابية وفوز الكتلة الاسلامية بمجموعة من الاسباب، أبرزها التالية:
1-أخطاء السلطة الوطنية الفلسطينية
2-أخطاء حركة فتح
3-مشاكل داخل الشبيبة الطلابية
4-قوة جذب حركة حماس

1) أخطاء السلطة الفلسطينية

قامت السلطة الفلسطينية خلال الاعوام الماضية باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي أضرت بطبيعة نظام الحكم الذي كان القانون الأساسي ومجموعة أخرى من القوانين الرئيسية قد أرسته في فلسطين.

فقد تم إلغاء المساءلة والمراقبة على عمل الرئيس والحكومة، وأُضعفت السلطة القضائية وهُدد استقلالها.

وقد شهدت الشهور والأعوام السابقة لانتخابات بيرزيت عدة أحداث ساهمت في خسارة الشبيبة منها ” خطاب الرئيس عباس الهزيل في الأمم المتحدة، اعتقال مصعب اشتية والمطاردين للاحتلال، لقاء العقبة وشرم الشيخ، التنسيق الأمني المتواصل.

تأجيل الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) والتي كان من المقرر اجرائها في ايار وتموز من العام 2021، وموضوع لقاحات فايروس كورونا وما شابها من لغط، ومقتل الناشط نزار بنات اثناء اعتقاله من قبل اجهزة الامن الفلسطينية، اضافة لتقرير ديوان الرقابة المالية والادارية حول صندوق وقفة عز، ومستشفى خالد الحسن لأمراض السرطان، وغير ذلك من القصص الاشكالية التي شغلت الرأي العام الفلسطيني.

هناك اجماع شبه تام، سواء من قبل الطلاب او أساتذة الجامعة او الجمهور بشكل عام او والخبراء في الأوضاع السياسية الفلسطينية، ان سلوك السلطة السيء والانطباعات عنه كان السبب الرئيسي في خسارة حركة فتح أي ان سبب الخسارة للحركة هو سلوك السلطة ومعاقبة الطلاب للشبيبة الطلابية على سلوك السلطة، وبما ان السلطة واجراءاتها وخاصة في الفترة الأخيرة تعطي انطباعاً سيئاً لدى الطلاب فقد أدى ذلك الى عدم التصويت للشبيبة.

2) أخطاء حركة فتح

افتقدت حركة فتح لرؤية واستراتيجية لكيفية التعامل مع الشبيبة كقطاع شبابي يمثل مستقبل الحركة، فقد هدفت الحركة ان تكون الشبيبة ملحقة بالحركة وداعمة لها ولقياداتها. وافتقدت الحركة لبلورة رؤية لدور الشبيبة في مواجهة الاحتلال، وهذه واحدة من أكبر اهتمامات الطلاب والشباب. بل افتقدت لبلورة رؤية تتعامل مع القضايا الحياتية التي تخدم المجتمع بشكل عام. فدائما كان التفكير في كيفية خدمة الشبيبة للجسم الرسمي للحركة دون مراعاة لخصوصية الشبيبة التي يجب ان تتمايز عن الحركة الام، خاصة انها تمثل قطاع الشباب الذي له رؤيته المختلفة للعديد من القضايا المختلفة.

ساهمت المواقف الرسمية التي اتخذتها حركة فتح، مثل دعمها المطلق للسلطة وعدم القدرة على التمايز في المواقف في كثير من الحالات، في خسارة الشبيبة.

فوق كل ذلك، افتقدت حركة فتح خلال السنوات الماضية للخطاب “الثوري” الذي يتبناه المنافس السياسي للحركة، أي حركة حماس، علما ان حركة فتح اكتسبت معظم القاعدة الشعبية لها في ستينات وسبعينات القرن الماضي نتيجة لذلك الخطاب والفعل “الثوري” الذي تبنته ومارسته الحركة في تلك الفترة الماضية. يعتبر طلاب الجامعات من أكثر الفئات العمرية راديكالية، وبالتالي فان الخطاب “الثوري”، وخاصة المقاوم للاحتلال، هو أكثر ما يشد هؤلاء الطلاب ويعبئهم.

فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام أن أغلبية تبلغ 55% من الشباب تعتقد أن العمل المسلح هو الطريقة الأفضل لتحقيق الأهداف الفلسطينية في إنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة، وهي بالطبع الطريقة التي لا تتبناها السلطة الفلسطينية، مقابل 14% فقط من الشباب يرون أن المفاوضات هي الطريقة الأفضل لتحقيق الاهداف الفلسطينية بإنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة.

3) مشاكل داخل الشبيبة الطلابية

هناك مجموعة من الاسباب وراء الهزيمة تتعلق بعمل وسلوك الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت تتمثل فيما يلي:

قبول الشبيبة الطلابية أن يكونوا ملحقين وتابعين للحركة دون أي تمايز في المواقف: ففقدت الشبيبة في جامعة بيرزيت دورها القيادي الذي طالما تميزت فيه، خاصة في المرحلة التي أصبح يتم فيها تعيين المنسق والهيئة التنظيمية داخلها بدل انتخابه.

الخلافات الداخلية القائمة احيانا على اسس جغرافية ومناطقية بين ابناء الشبيبة والظاهرة لبقية الطلاب: فهي اولا تضعف الشبيبة وتبعد الاخرين عنها، فالتنظيم غير القادر على ترتيب اموره الداخلية سيكون أضعف من منافسه في عملية استقطاب الطلبة، خاصة في ظل وجود منافس سياسي يسعى لاستغلال اخطاءك.

عدم القدرة على تقديم الافضل للطلاب من خلال برنامج نقابي مهني قادر على استقطاب الطلاب: يقول العديد من الطلاب أن الشبيبة تفتقر لبرنامج نقابي يعالج حاجاتهم الجامعية. بل يقولون إن المنافس الرئيسي الثالث، أو القطب الطلابي، هو الأنجح في عرض برامج نقابية مقبولة.

4) قوة جذب حركة حماس

تسيطر حركة حماس على قطاع غزة منذ حزيران 2007، وقد ساهمت سيطرتها هذه في انخفاض شعبيتها منذ تلك السنة وحتى عام 2015، الا في فترات قصيرة أثناء الحروب الاسرائيلية على قطاع غزة. وقد بدأت حماس تستعيد شعبيتها نتيجة قيام السلطة باتخاذ مجموعة من الاجراءات التي تم الاشارة لها سابقا، وذلك بالرغم من أن حركة حماس لا تقدم نموذجا أفضل في الحكم من حركة فتح. فهي تمنع الحياة الديمقراطية في قطاع غزة حيث لم يتم اجراء أية انتخابات محلية، كما جرى أكثر من مرة في الضفة الغربية، ولا تسمح بإجراء الانتخابات الطلابية في الجامعات الفلسطينية الموجودة في قطاع غزة، وتتدخل في الانتخابات النقابية فتسمح بهذا وتمنع غيره. وقد ساهم قمع حكومة حركة حماس في قطاع غزة لحراك “بدنا نعيش” في عام 2019 في خسارة تفوق الكتلة الاسلامية في جامعة بيرزيت وحصولها على عدد من المقاعد مساوي لعدد مقاعد الشبيبة في انتخابات مجلس الطلبة في ذلك العام، بل كان التفوق في عدد أصوات الطلاب لصالح الشبيبة بحوالي 68 صوت.

لكن حركة حماس حافظت على خطابها السياسي المنادي بمقاومة الاحتلال من خلال جميع انواع المقاومة وفي مقدمتها العمل المسلح، حيث خاضت في أيار 2021 حربا مع الاحتلال الاسرائيلي بسبب التعديات والاجراءات الاسرائيلية في مدينة القدس. ساهمت تلك الحرب في رفع شعبية الحركة بصورة واضحة.

توصيات للسلطة الفلسطينية:

عدم التدخل في الانتخابات الطلابية وغيرها من شؤون الطلبة، وخاصة من قبل الأجهزة الامنية الفلسطينية، لأن ذلك ينعكس سلبا على النتائج في ظل رفض الطلبة لهذه التدخلات.
المحافظة على العملية الديمقراطية في بقية الجامعات والنقابات وتشجيع عقد الانتخابات في المواقع التي لا يوجد فيها انتخابات.

توصيات لحركة فتح:

وقف التدخل من قبل قيادة الحركة في حركة الشبيبة واعطائهم المساحة اللازمة لإنجاح عملهم وقيامهم بدورهم النقابي، فهؤلاء الطلاب هم قادة المستقبل.
إعادة صياغة برنامج وطني يعيد ترتيب الحالة الوطنية وكل ما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال، واستعادة حركة فتح لدورها القيادي في العمل الوطني والمواجهة مع المحتل.
تبني مواقف أقرب للمواطن في القضايا الوطنية واليومية المتعلقة بحياة الناس بحيث تكون متمايزة عن مواقف السلطة.
إعادة صياغة حركة فتح وبنائها من خلال عقد مؤتمرعام لحركة فتح بدون اقصاء و بشكل نزيه وعادل يقوم على اسس ديمقراطية حقيقية وتمثيل حقيقي لكافة قواعد حركة فتح، وبحيث يكون هذا المؤتمر قادرا على انتخاب قيادة للحركة تعيد تقييم المرحلة السابقة والاستفادة من الاخطاء السابقة واخذ العبرة منها.

توصيات لحركة حماس:

السماح بإجراء الانتخابات بشكل منتظم في الهيئات المحلية والجامعات والنقابات والاتحادات الشعبية والجمعيات الخيرية والأهلية وغيرها، وإعطاء المزيد من الحريات للفعاليات والاحتجاجات المخالفة بالرأي، والمضي نحو تمكين الناس من اختيار ممثليهم في هيئاتهم المحلية والطلابية والنقابية. فمن غير المعقول ان تتغنى حماس بانتصاراتها في جامعات الضفة الغربية وهي تمنعها وتضيق على الحريات في قطاع غزة.

توصيات للشبيبة الطلابية:

المضي قدما بتعزيز الديمقراطية الداخلية في حركة الشبيبة والاستمرار في اجراء الانتخابات .
محاربة اي ظواهر سلبية داخل الشبيبة مثل المناطقية والفئوية والتي تؤدي لتفريق الجهود وتشتيت الاصوات.
عدم تبني مواقف السلطة غير المقبولة شعبيا او الدفاع عنها من قبل افراد الشبيبة

استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية :

تشير نتائج آخر استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية والتي أجريت قبل انتخابات بيرزيت الى ان مواقف الشباب تجاه العديد من القضايا التي تقيم أداء السلطة، والتي تنعكس بدورها على حركة فتح وحجم التأييد لها، هي مواقف لا تصب في مصلحة الحركة. تبدي الأغلبية الشبابية عدم الرضى او الاستياء من أداء السلطة مما ينعكس غالبا على التأييد للحركة او لأطرها المختلفة مثل مجالس الطلبة وغيرها. فمثلا، يظهر ان 86% من الشباب يعتقدون بوجود فساد في أجهزة السلطة، و73% يرون ان الناس لا يستطيعون انتقاد السلطة بدون خوف، و69% غير راضيين عن أداء الرئيس محمود عباس، و71% لا يحبذون بقاء الرئيس عباس في السلطة.

المصدر: استطلاعات الراي التي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية

Comments are closed.