هآرتس – عاموس هرئيل “المواجهة بين إسرائيل وإيران تواصل الاحتدام بصورة ثابتة وأبعاد مختلفة وفي أرجاء الشرق الاوسط. ولأن هذا التصعيد بطيء وتدريجي، وجزء منه يحدث بعيدا عن حدود الدولة، يبدو أن الجمهور في البلاد تقريبا لا يقلق مما يحدث. توجد الآن مشكلات ملحة أكثر، من تفشي الكورونا وحتى محاولة تثبيت الائتلاف. ولكن استمرار الاحتدام يمكن أن يفرض ظله طول فترة الصيف وأن يقف في مكان مرتفع في سلم الاولويات الأمنية لإسرائيل.
هذه الأمور وصلت إلى الذروة المؤقتة أمس، بمهاجمة استثنائية بواسطة طائرات مسيرة لسفينة لها علاقة غير مباشرة بإسرائيل. حسب التقارير، الطائرات المسيرة الانتحارية التي هي من إنتاج إيران هاجمت سفينة “ميرسر ستريت”، التي كانت تبحر وهي ترفع علم اليابان وتوجد بملكية شركة يشارك فيها رجل الاعمال الإسرائيلي ايال عوفر، قرب شواطئ عُمان.
لقد قتل في هذا الهجوم اثنان من طاقم السفينة، مواطن بريطاني ومواطن روماني. الهجوم تسبب بأضرار في منطقة السكن في السفينة التي توجد تحت جسر القيادة، لذلك تسبب بأضرار في الارواح. هذا خلافا للهجمات الاربعة الاخرى لسفن بملكية إسرائيلية، غير مباشرة أو جزئية، انتهت بأضرار طفيفة نسبيا في الاشهر الاخيرة.
مواقع اخبارية في إيران أبلغت أن الهجوم كان رد إيران على هجوم جوي إسرائيلي قبل أسبوع تقريبا، في مدينة حمص في وسط سوريا. قبل ذلك تم الإبلاغ، بصورة غير رسمية، أنه في هذا الهجوم قتل ناشط كبير في “قوة القدس” التابعة لحرس الثورة، ويبدو أيضا شخص من حزب الله.
النشر عن مهاجمة السفينة وضع إسرائيل في موقف حرج. جرت يوم الجمعة بعد الظهر مشاورات بمشاركة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ووزير الدفاع، بني غانتس، ورئيس الاركان، افيف كوخافي. من ناحية بينيت، الإيرانيون يضعونه هنا في الامتحان. في عهده كوزير للدفاع في حكومة نتنياهو وأيضا أثناء وجوده رغم أنفه في المعارضة، اتخذ بينيت خطا عدائيا تجاه إيران وطالب بالمس الشديد بمصالحها، في كل مرة كانت فيها مرتبطة بشكل غير مباشر بهجوم في إسرائيل. وقد قال إن ردود إسرائيل يجب أن تتركز أولا وقبل كل شيء، على إيران نفسها وليس على أذرعها (حزب الله والجهاد الاسلامي الفلسطيني وبدرجة أقل حماس).
هذه المقاربة يمكن أن تملي الآن ردا إسرائيليا شديدا نسبيا. ربما أن إسرائيل سترغب في إنزال ضربة مدوية، وهذه أيضا هي روح الردود المقتبسة من القدس، من جهات سياسية، لكن بحيث يتم إنهاء الحدث دون الانجرار إلى جولة لكمات متواصلة يمكن أن تتصاعد. ولكن الأمور كالعادة لا ترتبط بها، بل أيضا باعتبارات الطرف الثاني.
إيران في الحقيقة توجد في منتصف المفاوضات مع الدول العظمى حول استئناف الاتفاق النووي بمشاركة الولايات المتحدة. ولكن في الخلفية يتوقع أيضا أداء رئيس جديد لليمين في هذا الاسبوع هو ابراهيم رئيسي. أيضا توجد لها مصلحة وحاجة إلى بث قوة اقليمية وتصميم في الدفاع عن مصالحها إزاء الخطوات المقبلة.
هناك أمر آخر وهو أن الضربات المتبادلة بين الطرفين تعكس توجها جديدا نسبيا. ففي شهر مارس/آذار الماضي نشر في “وول ستريت جورنال”، بعد ذلك بدرجة اوسع عن مقاربة إسرائيلية جديدة بالنسبة لإيران. سلاح البحرية خرب خلال سنتين تقريبا عشرات ناقلات النفط التي هي بملكية إيران، والتي نقلت إرساليات إلى سوريا. وبذلك أضرت بمداخيل تقدر بمليارات الدولارات من الأموال التي كان يمكن أن تفيد حزب الله. في شهر ابريل/نيسان الماضي تمت أيضا مهاجمة سفينة قيادة إيرانية بواسطة الغام بحرية أمام شواطئ اليمن. الهجمات المعدودة التي تم الابلاغ عنها في الوقت الحقيقي، تبين بالتدريج أنها كانت فقط طرف جبل الجليد لنشاطات إسرائيل.
في شهر آذار الماضي حذر البروفيسور شاؤول حوريف والدكتور بني شناير، وهما من مركز الابحاث الاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا، من التداعيات المحتملة لاستراتيجية إسرائيل الجديدة. حوريف، الذي هو عميد في الاحتياط ورئيس المركز، عمل في السابق في منصب نائب قائد سلاح البحرية ورئيس لجنة الطاقة النووية.
الاثنان اعتقدا أن “الامر يتعلق بإنجازات استثنائية لسلاح البحرية الإسرائيلي، لكن من ناحية نتائج هذه السياسة على الصعيد الاستراتيجي، ربما أنها تنضم إلى الأحداث التي فيها مقياس النجاعة غير إيجابي. ولأن الأمر يتعلق بقمة جبل الجليد فقط فمن الجدير طرح سؤالين حول جبل الجليد نفسه. الأول، إلى أي درجة تفيد هذه الأفعال المعركة التي تديرها إسرائيل ضد برامج إيران النووية. والثاني، هل المستوى السياسي الذي صادق على هذه العمليات أخذ في الحسبان ردود إيران المحتملة على المستوى البحري. هذا فضاء إسرائيل ترتبط به بشكل مطلق من ناحية تجارتها مع دول العالم.
الهجمات التي نسبت لإسرائيل في الفضاء البحري وسعت المعركة بين حربين، التي فيها تضررت إيران وفروعها من هجمات جوية في سوريا، وحسب تقارير مختلفة أيضا في العراق وفي لبنان. هذه الهجمات لم تغير صورة الوضع في المجال النووي ولم توقف تقدم إيران نحو تجميع كمية أكبر من اليورانيوم المخصب.
في المقابل، طهران قامت بتغيير سياسة ردها في البحر. فالهجمات البحرية في الحقيقة حدثت قرب الخليج الفارسي، ومست بإسرائيل بصورة غير مباشرة فقط (سفن لها ترتيبات ملكية متفرعة، دون رجال طاقم إسرائيليين على متنها)، لكنها تشير إلى أن النقل البحري لإسرائيل معرض للضرر. لا يوجد لسلاح البحرية الإسرائيلي أي طريقة لحماية جميع السفن التي هي بملكية إسرائيلية، أو أي سفينة في طريقها إلى إسرائيل. ومثلما قال حوريف وشباينر، فإن الأغلبية المطلقة من تجارة إسرائيل تجري من خلال البحر.
يعملون أيضا في الساحة السياسية
في جهاز الأمن قالوا في المقابل إن اختيار الهدف البحري يتعلق بدرجة أكبر بقيود إيران أكثر من الارتباط برسالة مبدئية لإسرائيل. إيران تلقت في السنوات الأخيرة عدة ضربات مختلفة، التي نسب عدد منها لإسرائيل وعدد آخر للولايات المتحدة، اغتيال الجنرال قاسم سليماني وعالم الذرة البروفيسور محسن فخري زادة والانفجارات في المنشأة النووية في نطنز وغيرها. وقد حاولت عدة مرات الرد بشكل عسكري، لكنها لم تنجح. في هذه المرة تم اختيار هدف قريب نسبيا من أراضيها، حيث من الواضح أن الطائرات المسيرة أقلعت من أراضيها وتم تشغيلها من قبل سلاح الجو في حرس الثورة الإيراني. بذلك، هي تنازلت عن محاولة الحفاظ على مسافة من المواجهة والنفي حول مسؤوليتها عن الهجوم.
إضافة إلى رد عسكري محتمل لإسرائيل فقد بدأ بالفعل نشاط كثير في الساحة السياسية. إسرائيل تريد استغلال حقيقة أنه اصيبت في الهجوم الإيراني شركات مدنية لدول اخرى مثل اليابان وبريطانيا ورومانيا، وأنه تم استهداف حدث مدني واضح. رغم أن إيران كان يمكنها المعرفة مسبقا بأن احتمالية وجود إسرائيليين على متن السفينة هي صفر. في نهاية الأسبوع جرت محادثات مع وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الامريكيتين ودول أوروبية في محاولة التوصل إلى إدانة للعملية في مجلس الأمن. إسرائيل تؤكد على مسؤولية حرس الثورة الإيراني، الولايات المتحدة أعلنت عنه كمنظمة ارهابية، وإيران تطالب بإلغاء الإعلان في إطار المفاوضات عن الاتفاق النووي الجديد.
الحادث الأخير وأخطار التصعيد التي أعقبته، حدثت وفي الخلفية فترة استراحة في المفاوضات النووية. الرئيس الإيراني المنتخب، رئيسي، الذي يوصف بأنه صقر متصلب جدا، يتوقع أن يحدث تغييرات في طاقم إيران للمحادثات. وفي إسرائيل يستعدون أيضا لاحتمالية أن تعلق المفاوضات بين إيران والدول العظمى، وعندها ربما ستنشأ فرصة لإقناع الإدارة الأمريكية بزيادة ضغط العقوبات على طهران، خلافا للنية الأصلية. والاحتكاك بين إسرائيل وإيران يجري أيضا على صعيد آخر. فمؤخرا لوحظت محاولات اخرى لهجمات سايبر إيرانية في إسرائيل. أيضا تم النشر في الشهر الماضي في إيران عن هجوم سايبر أدى إلى تشويش كبير في حركة القطارات في الدولة.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.